المسألة السادسة: ما بال الشعر ينبت على رأس الرجل والمرأة جميعا وقد يولدان على هذة الصفة، وما بالنا لا نجد الشعر على جميع البدن إلا إذا انتهى الإنسان إلى قامة الشباب؟ وما بال اللحية لا تكون للنساء والصبيان لكن للرجال؟ وما بال صوت الرجل غليظ جهير، وصوت النساء والصبيان والخصيان رقيق ضعيف؟ فنقول إن 〈الشعر〉 ينبت للرجال والنساء على رؤسهم ويولدون جميعا على هذة الصفة لأن الحرارة من جوهرها العلو والسمو إلى فوق. فإذا غلبت، رفعت معها الرطوبة إلى أعلى الموضلع كالقدر التى إذا غلى ما فيها من الماء ارتفعت الرطوبة كلها إلى غطاء القدر. فإذا اجتمعت هذه الرطوبة الصاعدة بالحرارة إلى الرأس كان الشعر منها وكالأرض الندية إذا حميت الشمس أنبتت عشبا كذلك فالحرارة 〈التى〉 فينا تنبت الشعر ولذلك صار الشعر يظهر فى الرأس لاستقامة قامة الإنسان. 〈ولو〉 كان الإنسان كذوات الأربع القوائم لظهر فى يديه كله من الشعر 〈كما〉 يظهر فى ذوات الأربع قوائم لانتشار الحرارة فى جميع البدن؛ فلما صار الأنسان مستوى القامة، والحرارة من جوهرها الصعود إلى فوق، عملت فى الموضع الذى انتهت إليه وهو الرأس فأنبت الشعر. وأما الأطفال فكذلك لا ينبت على أجسادهم الشعر حتى ينتهوا إلى قامة الشباب، لأن الأطفال رطوبتهم غالبة وحرارتهم ليست بحارة حريفة كحدة حرارة الشباب، فلذلك صار شعورهم زغبا لينا ضعيفا. فكلما انتقضت الرطوبة من أبدانهم وغلبت عليهم الحرارة الحادة والحريفة، أظهرت الشعر وأنبتته كالأرض الرطبة جدا لا تنبت عشبا، كذلك أبدان الأطفال لا تنبت الشعر؛ وكالأرض الجافة جدا لا تنبت عشبا بل يجف ما فيها من العشب، كذلك أبدان المشيخة لكثرة يبسها وقلة غذائها يتساقط ما فيها من الشعر؛ 〈وليس〉 كذلك أبدان الشباب. وأول ما ينبت الشعر فى الإبطين والعانة لسخافة هذين الموضعين. ثم كلما انتشرت الحرارة فى البدن كله أنبتت الشعر فى البدن كله.
صفحہ 47