وأما كيف يكون فإنا نقول: إن الأشياء الكائنة إنما تكون بأربع جهات: بالفاعل والمفعول والأداة — كالقدوم والمنشار وغيرهما من الأشياء التى يستعين بهما النجار فيما يعمل : كالباب والكرسى — والتمام؛ فكذلك أيضا النوم يكون على هذة الجهات: فالفاعل النوم الطبيعة فينا، والمادة أعنى العنصر الذى يكون منه النوم 〈هو〉 الرطوبة المعتدلة التى فى البدن ولذلك قلت معتدلة لأنها إن تكن معتدلة لم يكن منها النوم، والأداة التى بها تعمل الطبيعة النوم الحرارة الغريزية التى فينا التى بها تصعد الرطوبة؛ فإذا صعدت هذة إلى الدماغ أنامت والنوم هو التمام والكمال. فالنوم إذا كان معتدلا 〈كان〉 لذيذا، وإذا كان غير معتدل كان مؤلما. فإذا نام الإنسان غابت الحواس التى داخل فذهبت وسكنت ويسكن البدن كله. فإن قال 〈قائل〉 إن البهائم أيضا قد تنام — قلنا: إن نومها أقل من نوم الإنسان.
[chapter 5]
المسألة الخامسة: ما بال الإنسان، إذ هو مركب من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبس، صار بعض جوهر الإنسان ذكرا وبعضه أنثى؟ — نقول إنه وإن كان جميع جوهر الإنسان مركبا من هذه الأخلاط الأربعة العناصر أعنى الدم والمرتين والبلغم، فإنما يكون الإنسان باعتدالهما ولكن قد تختلف جواهر المذكورة، فللاختلاف كان الذكر والأنثى. فإذا غلبت الحرارة على جوهر الإنسان حدث العضو الناتىء، أعنى الذكر إلى خارج، وذلك لأن من جوهرية الحرارة دفع الأشياء إلى خارج فيخرج الذكر ويظهر وينتوء إلى خارج. وإذا غلب البرد جمع العضو وجذبه إلى داخل فتصير الأنثى. والدليل على أن الرجل أحر من المرأة كثرة حركته وخشونة جلده وصلابة أعضائه. والمرأة على خلاف ذلك. فإن غلب على طبيعة المرأة الحرارة يصير مزاجها فى الشعر والخشونة والعضو الناتىء كالضرب الذى يسمى الخنثى. وقد يستدل من هذه الجهة على أن الحرارة هى الفاعلة لهذة الصفة.
[chapter 6]
صفحہ 46