أرضى فقال الوزير: يا مولانا نحن إلى الآن ما بارزنا طائفة الأنس بالعداوة وإنما كنا نخادعهم ونظهر لهم الباطل بصورة الحق وهذا الرجل قد ظهر فيهم وعلا شأنه ونحن الآن مسالموه وهم تارة يوافقوننا وتارة يخالفوننا فأنا أخشى إن تصدين لمبارزة هذا الرجل الصالح وتعرضنا لمنع هذا الدين المسلك تتحقق العداوة بيننا وبينه ثم لا يظفر بالمقصود ولا يفيدنا ذلك إلا الندامة وبعد أن ينتصر علينا ونغلب معه يستمر علينا هذا العار إلى يوم القيامة وقد قيل:
لا تسع في الأمر حتى تستعد له ... سعي بلا عدة قوس بلا وتر
فقال العفريت: أنا إلى الآن لم أبارزه ولم أناظره ولقد قذف في قلوبكم رعبه وجبنتم عن مناظرته وتخلفتم عن مقاومته وما وقفتم على مقدار علمه ولا على عدد جنوده، وأما أنا فلا بد لي من مناظرته ومجادلته وأعلموا أن الوادي الذي ماؤه يجري إلى جهة لو أبقي على حاله مائة سنة لا ينقلب إلى الجهة الأخرى اللهم إلا أن يصرف من رأس الوادي إلى جهة أخرى ولا يحكم الشخص على شيء حتى يراه ويختبره، ونحن أن تصدينا لدفع هذا الأمر ومبارزة هذا الرجل ربما نظفر به وننال مقصودنا منه ونصل إلى غرض ما وهذا شيء قد وقر في خاطري ولابد لي منه. فلما رأى الوزير أن العفريت قد رسخ في نفسه الخبيثة هذا الخيال الفاسد وتقرر في خاطره أمسك عنه لئلا ينسب إلى خيانة فيصيب منه نكاية وحسن له هذا الرأي واستقر الأمر على مراسلة الزاهد بما يقتضيه رأيه وكان في شياطينه المردة عفريت من الجن قد أضل عقائد كثير من الناس واشتهر بين أبناء جنسه بشدة عداوة بني آدم وإفساد أمورهم وإلقاء كثير منهم بشؤم وسوسته وحيل شيطنته وبلبسته في قفار المعاصي وبحار الزلل وغمسهم بعد ذلك في نار السعير والعذاب الأليم
1 / 53