يرتبط في الخيال بالعباسية، عباسية الحقول والحدائق، مثل جعفر خليل، وخليل زكي، وحنان مصطفى، ولكنه يرتبط أيضا بقيم ومبادئ لا يستهان بها، وبعنف تيار الحياة في صعوده وهبوطه، وبإرادة الإنسان حيث تتوثب للصراع والتحدي وتجاوز اليأس والأحزان، وهو عملاق كصديقنا سرور عبد الباقي، امتاز بالعملقة حتى ونحن غلمان نلعب في غابة التين الشوكي، ولعله من القلة التي واجهت عنف خليل زكي برباطة جأش . وعرف منذ عهد المدرسة الابتدائية بالاهتمام الشديد بالوطنية. كان يتكلم عن سعد زغلول أكثر مما يتكلم عن حسين حجازي، أو شارلي شابلن، أو المصارع عبد الحليم المصري، ولعله ورث ذلك عن أسرته التي اشتهرت في شارعنا بالوطنية والعلم فكان أبوه مدير عام مستشفى الحميات بالعباسية، وكانت أمه مدرسة من السابقات إلى التعلم، ومن طلائع النهضة النسائية، ونبغت أخته في العلوم فأرسلت في بعثة إلى إنجلترا. كما تفوق أخوه في مدرسة الحقوق، ولكن أسرته اشتهرت أيضا بالكوارث التي حلت بها، فماتت أمه وهو طفل، وفصل أبوه من الخدمة لفرط نشاطه في خدمة الوفد المصري في إبان تكوينه، وماتت أخته في إنجلترا، واستشهد أخوه في ثورة 1919. وكان يفاخر بأخيه واستشهاده وينوه بذكائه واجتهاده حتى ضاق خليل زكي بذلك فقال لي مرة: لم قتل هذا المجنون نفسه؟
فقلت ببراءة: في سبيل الاستقلال.
فتساءل ساخرا: وهل كان الإنجليز يقيمون فوق صدره؟!
ولما عرفت رضا كان يعيش مع والده، وخادم عجوز، ولا رابع لهم في البيت، وكان يضيق بالبيت ويعتده سجنا بلا قضبان، ويرهب جانب أبيه ويعمل له ألف حساب. اعتكف الوالد في البيت عقب فصله من الخدمة، لا يغادره إلا إذا استدعي لاستشارة خاصة في أحد البيوت، والظاهر أنه كان يريد أن يخلق من رضا شخصا يعوضه عن جميع خسائره، فاشتد في معاملته، وحمله ما يطيق وما لا يطيق، وطالبه بالعلم والأخلاق والوطنية والتفوق، وراقبه مراقبة بلا هوادة ولا تسامح؛ لذلك نشأ رضا متطهرا متقشفا مجتهدا مطلعا طموحا، ولكنه افتقد دائما الحنان والعذوبة، وكثيرا ما كان يقول: حدثني عن أمك، كيف تحبها وكيف تحبك!
ويتغنى بالنشيد المعروف:
أيها الطائر أهلا
بمحياك وسهلا
ويتهدج صوته وهو ينشد:
أمكن استودعتني
شوقها إذ ودعتني
نامعلوم صفحہ