فقلت: لكني أحبك بالفعل وهو الأهم.
ورجع الدكتور صادق عبد الحميد من بعثته القصيرة. تحدثت عنه بموضوعية كأنه ظاهرة لا تربطها بها علاقة حميمة، ولكن باحترام لا مزيد عليه. وفي ذلك التاريخ كنت بدأت أتردد على صالون الأستاذ جاد أبو العلا، وهناك التقيت بالدكتور صادق عبد الحميد! وقص علينا جاد أبو العلا كيف زار الدكتور في استشارة طبية، وكيف توثقت العلاقة بينه وبين الدكتور، وبدأت بيننا صداقة روحية نادرة، فقدمته بدوري إلى مجلس سالم جبر، وزهير كامل، وصالون الدكتور ماهر عبد الكريم، وأدهشني أن أرى فيه رجلا يماثل درية في السن، أو لعله يصغرها ببضع سنوات، وسيما ذكيا ذا طموح روحي لا حد له. هكذا بدأت صداقتنا بعد توطد علاقتي بزوجته بأربعة أشهر! وضايقني ذلك وأزعجني لحد العذاب، ولم تتوقع درية ذلك فذهلت له، ولاحظت دون جهد ارتباكي وقلقي، وجو الكآبة الذي خيم بثقله فوق لقاءاتنا فخنقها. وبدا أن تيار الحياة يمضي إلى زاوية مسدودة ليشهد موته، قالت لي بتوسل: انس تماما أنه زوجي، ألم يكن من المحتمل ألا أشير بكلمة إلى هويته أو اسمه؟
فقلت بارتباك: لا فائدة من افتراض احتمالات لا أصل لها. - يجب أن نحافظ على علاقاتنا فهي أهم من كل شيء.
فقلت بحزن صادق: إني أتعذب.
فقالت بانفعال غير معهود: لعله لو علم بعلاقتنا ما اكترث لها!
فنظرت إليها بذهول غير مصدق فقالت: إنه لا يحبني، لم يعد يحبني منذ ثلاثة أعوام أو أكثر، صدقني. - إني أصدقك وأنا آسف. - وهو يعاشر امرأة أخرى، ولولا تفانيه في حب أولاده لهجرنا ليتزوج منها! - إني آسف يا درية. - ماذا تعني بقولك آسف؟ - آسف لحالك، ولحالي التي لا أحسد عليها. - لو كنت تحبني لما شعرت بأسف على الإطلاق! - الواقع أني لا أطيق ذلك الموقف بحال.
أشاحت بوجهها عني محمرة العينين وتمتمت: أنت لم تكد تعرفه، هل تنشأ الصداقة من العدم؟
ثم بحزن شديد: والحب أقوى من الصداقة، ولكن الحقيقة أنك لا تحبني!
لم أجد ما أقوله فصمت، وبالصمت أسدل الستار على علاقتنا الحزينة المفتعلة. وعندما غادرنا عشنا تأملت شخصها الناضج الذي يعاني أحرج فترة من العمر تحت وطأة الهجران والخيبة، فتقلص قلبي ألما وحزنا، ولفحنا في الخارج هواء بارد كلسع السياط، في ظلمة الليل.
رضا حمادة
نامعلوم صفحہ