فتحفز الشبان للنضال، ولكنه قال: انحرف الجهاد الوطني عن غايته الأولى، غرقنا في معاركنا الحزبية، ولدى كل انقلاب يحدث رد فعل فظيع في العلاقات والأخلاق، ويوما بعد يوم يتفتت البناء الشامخ الذي ورثناه عن ثورة 1919.
فقال أحد أفراد مجموعتنا الشابة: بناء الشعب غير قابل للتفتت.
ابتسم أستاذنا ماهر عبد الكريم، وتفكر قليلا، ثم قال بصوته الناعم الهامس: شعبنا مثل الوحش المذكور في بعض الأساطير الشعبية يستيقظ أياما، ثم ينام أجيالا.
فعاد الدكتور إبراهيم عقل يقول: لن نضار البتة إذا استمسكنا بالمثل العليا.
وجعل ينقل عينيه الزرقاوين بين وجوهنا المتحفزة، ثم كرر بنبرة منغومة: المثل العليا ... المثل العليا.
وكان يرددها كثيرا في محاضراته عن الأخلاق حتى أطلق عليه زميلنا عجلان ثابت «دكتور مثل عليا».
ولعل الدكتور تذكر موجة الإلحاد التي كانت تجتاح الكلية في ذلك الوقت فقال: أرجو ألا تعتبروا المثل العليا نتيجة لعقيدة دينية، اعتبروها إذا شئتم المنبع الذي تدفقت منه العقيدة نفسها.
فقال شيخ أزهري لا يحضرني اسمه الآن: السياسة ترمي بنا كل يوم في محنة جديدة.
فقال الدكتور إبراهيم عقل بإصرار: المثل العليا، حسبنا أن تبقى لنا.
فقال الأستاذ سالم جبر، وهو غائص بجسمه البدين في فوتيل وثير: يا سيدي الدكتور ما الأخلاق إلا علاقات اجتماعية، وعلينا أن نغير المجتمع.
نامعلوم صفحہ