ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون .
وبعد خلو «المدينة» من اليهود وفتح «خيبر» و«وادي القرى» خف الجدال بين النبي وبين اليهود وقل ذكرهم في القرآن لانقطاع الحاجة إليه؛ ولأن الله قد ذكرهم بما أخزاهم في الدنيا وبين أنه سيخزي الظالمين منهم في الآخرة.
16
ولم يكن أمر النصارى ظاهرا في جزيرة العرب، وإنما كانت لهم جماعة في نجران، وكان منهم أفراد متفرقون هنا وهناك في الجزيرة. فلم يكن الجدال بين النبي وبينهم متصلا ولم يعنف إلا حين كان النصارى ينحرفون في مقالاتهم وما يظهرون من دينهم عن التوحيد الخالص الذي جاء به النبي ودعا إليه وأمر أن يقاتل الناس حتى يعلنوه فيقولوا: «لا إله إلا الله»، فإن قالوها عصموا منه دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان.
وقد أنزل الله من القرآن ما يصور النصارى أقرب الناس مودة إلى المؤمنين، فقال في سورة المائدة:
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم .
وقد قرر القرآن الكريم أن المسيح عيسى بن مريم رجل لا كالرجال، لم يلده أب وإنما هو كلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم. ووصف الله تبشير الملائكة لمريم بالمسيح ومولده في سورة آل عمران وفي سورة مريم. واختصه الله بمعجزات لم يؤتها أحدا من رسله: فاختصه بإحياء الموتى، واختصه بإبراء الأكمه والأبرص، واختصه بأن يجعل من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا؛ كل ذلك بإذن الله.
وأنزل عليه وعلى أصحابه مائدة من السماء كانت لهم عيدا لأولهم ولآخرهم، واختصه قبل ذلك بتكليم الناس في المهد، وأرسله إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى الإيمان بالله وأداء حقه والخروج مما ورطوا أنفسهم فيه من السيئات والآثام، ويخفف عنهم بعض ما امتحنوا به من الأعباء الثقال، ولكن اليهود كذبوه وآذوه وهموا بصلبه وقتله، فلم يصلبوه ولم يقتلوه وإنما شبه لهم ورفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا.
وكان مما غضب الله به على اليهود قذفهم لمريم وقولهم عليها بهتانا عظيما، وزعمهم أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما كان لكلمة الله أن تقتل وما كان لروح من الله أن يصلب. وقد ذكر الله ذلك في الآيات الكريمة من سورة النساء:
وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما * وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا .
نامعلوم صفحہ