ثم حول إلى الكعبة وارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه وإن هي المخففة من الثقيلة أي وإنها كانت أي التولية إلى الكعبة لكبيرة أي شاقة على الناس إلا على الذين هدى الله منهم وهم الثابتون على الإيمان وما كان الله ليضيع إيمانكم أي ثباتكم على الإيمان بل أعد لكم الثواب العظيم.
وقيل: إيمانكم بالقبلة المنسوخة وصلاتكم إليها، أي فإن الله لا يضيع تصديقكم بوجوب تلك الصلاة إن الله بالناس أي بالمؤمنين لرؤف رحيم (143) فلا يدع صلاتهم إلى بيت المقدس. قد نرى تقلب وجهك في السماء ف «قد» للتكثير أي كثيرا نرى تصرف نظرك في جهة السماء انتظارا للوحي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترجى من ربه أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم أبيه وأدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرة لهم، ولمخالفة اليهود فكان ينتظر نزول جبريل بالوحي بالتحويل فلنولينك قبلة ترضاها أي فلنحولنك في الصلاة إلى القبلة تحبها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها في قلبك فول وجهك شطر المسجد الحرام أي فاصرف جملة بدنك تلقاء الكعبة أي استقبل عينها بصدرك في الصلاة وإن كنت بعيدا عنها والمراد بالمسجد الحرام هنا الكعبة كما هو في أكثر الروايات. وقال آخرون: المراد بالمسجد الحرام جميع المسجد الحرام.
وقال آخرون: والمراد به الحرم كله. روي عن ابن عباس أنه قال: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل المشرق والمغرب وهذا قول مالك وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره أي في أي موضع كنتم يا أمة محمد منه بر أو بحر، مشرق أو مغرب فاصرفوا وجوهكم تلقاء المسجد الحرام الذي هو بمعنى الكعبة وإن الذين أوتوا الكتاب هم أحبار اليهود وعلماء النصارى ليعلمون أنه أي التولي إلى الكعبة الحق من ربهم لمعاينتهم لما هو مسطور في كتبهم من أنه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين، ولكن يكتمونه وما الله بغافل عما يعملون (144) . قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء إما خطاب للمسلمين أي وما الله بساه عما تعملون أيها المسلمون من امتثال أمر القبلة، وإما خطاب لأهل الكتاب. أي وما الله بغافل عما تكتمون يا أهل الكتاب خبر الرسول وخبر القبلة. وقرأ الباقون بالياء على أنه راجع لهؤلاء ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك أي والله لئن جئت الذين أعطوا الكتاب اليهود والنصارى بكل حجة قطعية دالة على صدقك في أن تحولك بأمر من الله ما صلوا إلى قبلتك وما دخلوا في دينك وما أنت بتابع قبلتهم أي اليهود والنصارى وهذا بيان أن هذه القبلة لا تصير منسوخة وحسم أطماع أهل الكتاب. وقرئ بتابع قبلتهم بالإضافة وما بعضهم بتابع قبلة بعض فلليهود بيت المقدس وللنصارى المشرق ولئن اتبعت أهواءهم أي الأمور التي
صفحہ 50