الله
فإن الله أعلم وخبره أصدق وقد أخبر في التوراة والإنجيل وفي القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا مسلمين مبرئين من اليهودية والنصرانية ومن أظلم أي لا أحد أظلم ممن كتم شهادة ثابتة عنده كائنة من الله وهو شهادته تعالى لإبراهيم عليه السلام بدين الإسلام والبراءة من اليهودية والنصرانية وهم اليهود وما الله بغافل عما تعملون (140) أي تكتمون من الشهادة
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (141) هذا تكرير ليكون وعظا لليهود وزجرا لهم حتى لا يتكلموا على فضل الآباء فكل واحد يؤخذ بعمله سيقول السفهاء أي الجهال الذي خفت أحلامهم من الناس وهم اليهود كما قاله ابن عباس ومجاهد لإنكار النسخ وكراهة التوجه إلى الكعبة.
والقائل منهم رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن حرملة والحجاج بن عمرو والربيع بن أبي الحقيق. وقيل: هم المنافقون كما قاله السدي لمجرد الاستهزاء والطعن. وقيل: هم مشركو العرب كما قاله ابن عباس والبراء بن عازب والحسن والأصم للطعن في الدين ما ولاهم أي أي شيء صرف المؤمنين عن قبلتهم التي كانوا عليها وهي بيت المقدس قل لهم يا أشرف الخلق لله المشرق والمغرب أي الجهات كلها ملكا والخلق عبيده لا يختص به مكان وإنما العبرة بامتثال أمره لا بخصوص المكان يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142) أي موصل إلى سعادة الدارين وقد هدانا إلى ذلك حيث أمرنا بالتوجه إلى بيت المقدس تارة وإلى الكعبة تارة أخرى وكذلك أي كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل جعلناكم يا أمة محمد أمة وسطا أي خيارا عدولا ممدوحين بالعلم والعمل لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم ويكون الرسول عليكم شهيدا أي يشهد بعدالتكم.
روي أن الأمم يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالب الله تعالى الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم. فيقولون: أمة محمد يشهدون لنا فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون فتقول الأمم الماضية: من أين عرفتم وأنتم بعدنا؟ فيقولون: علمنا ذلك بأخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وقيل: معنى قوله تعالى: ويكون الرسول عليكم شهيدا أنه صلى الله عليه وسلم إذا ادعى على أمته أنه بلغهم تقبل منه هذه الدعوى ولا يطالب بشهيد يشهد له فسميت دعواه شهادة من حيث قبولها وعدم توقفها على شيء آخر وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه أي وما صيرنا لك القبلة الآن الجهة التي كنت عليها أولا وهي الكعبة إلا لنعاملهم معاملة من يمتحنهم ونعلم حينئذ من يتبع الرسول في التوجه إلى ما أمر به ممن يرتد عن دين الإسلام. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة فلما هاجر أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس تألفا لليهود فصلى إليها سبعة عشر شهرا
صفحہ 49