ابن ملجم يبايع أمير المؤمنين ، وولى ، قال (عليه السلام ): «من أراد أن ينظر إلى قاتلي ، فلينظر إلى هذا» ، فقيل له : ألا تقتله؟ قال : «وآعجبا! تريدون أن اقتل قاتلي» (1)، يشير بذلك إلى : أن قتله لما كان أمرا مبرما ، وقضاء محتوما ، وأن قاتله ابن ملجم قضاء لا خلف فيه ، فكيف يقدر أن ينقض الإرادة الإلهية ، ويحل ما ابرم من التقدير؟!. وإلى هذا يشير الصادق (عليه السلام) بقوله لعقبة الاسدي : «لو أن الأئمة «عليهم السلام» ألحوا على الله في هلاك الطواغيت ؛ لأجابهم سبحانه وتعالى ، وكان عليه أهون من سلك فيه خرز إنقطع فذهب ، ولكن لا نريد غير ما أراده الله تعالى» (2).
** الخلاصة
لقد ارتفع بتلك البراهين القويمة ، الستر المرخى على الحقيقة ، فظهرت بأجلى مظاهرها ، وبرزت للباحث النيقد ، محفوفة بصدق ويقين ، فهو اذا جد عليم بأن أئمة الهدى كانوا على علم بمجاري القدر النازل ، والقضاء الذي لا يرد بما انتابهم من الكوارث ؛ لإنهم قيد إشارة المولى الجليل عز شأنه ، بكل ما يستقبلهم من سراء وضراء. ولم يبارحهم هذا العلم المفاض عليهم من (مبدأ الوجود) جلت آلاؤه أولا ، وإعلام النبي (ص) به ثانيا ، ووقوفهم على (الصحيفة النازلة) على جدهم ثالثا. وحيث إن الله تعالى أعد لهم منازل ، وشرفا خالدا لا ينالونه إلا بالشهادة ، وازهاق تلك النفوس المقدسة ؛ لذلك ضحوا بحياتهم الثمينة ، بخوعا لأمر الله تعالى ، وجريا مع المصالح الواقعية التي لا تدركها أحلام البشر ، ولا يعرف دقيقها غير علام الغيوب. ولا يلزمنا معرفة وجه الصلاح والفساد في جميع التكاليف الشرعية ، وانما الذي يوجبه العقل ، طاعة المولى الجليل عز شأنه في أوامره ونواهيه.
وإني لأعجب ممن أصاخ لهتاف الأحاديث الصحيحة مسلما مذعنا : بأن الأئمة من آل محمد (ص) يعلمون ما كان ويكون ، وعندهم علم المنايا والبلايا ، كيف خفي عليه ضوء الكثير من الأحاديث المصرحة ، بأن ما صدر منهم من كلام أو سكوت أو قيام أو قعود ، إنما هو أمر موجه إليهم خاصة من الله سبحانه على لسان رسوله الأمين على الوحي الإلهي ، ولم يعزب عنهم صغير ولا كبير ، ولم يجهلوا
صفحہ 60