عبس وقطب حتى حال بينه وبين الإمام (ع)، مشيرا إليه أن لو أساء إلى أبي عبد الله (ع) أهلكه. فلم ير المنصور بدا من العفو والإكبار لجلال الإمامة. ثم سيره إلى مدينة جده (ص) مبجلا (1).
ولما طال الحبس بموسى بن جعفر (ع)، وضاق صدره مما كان يلاقيه ، توسل إلى الله تعالى في الخلاص منه ، وقال في دعائه : «يا مخلص الشجر من بين رمل وماء ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون» (2)، فنجا ببركة هذا الدعا من ظلمات الحبس وألم القيود.
ولما قدم إليه الرشيد الرطب المسموم ، إنتقى غير المسموم فأكله وألقى المسموم إلى كلبة الرشيد فماتت (3). ولم يقصد بقتلها إلا إعلام الطاغية بأن ما يدور في خلده من اغتياله ، والفتك به في هذا الحين لم يقرب وقته. ولذا لما دنا الأجل ، ودعاه الله تعالى إليه أكل الرطب المسموم الذي قدمه إليه الرشيد مع العلم به ، ورفع يديه بالدعاء قائلا : «يا رب ، إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم لكنت قد أعنت على نفسي» ، فأكل منه وجرى القضاء (4).
وعلى هذا الأساس يأمر الإمام أبو الحسن علي الهادي (عليه السلام) أبا هاشم الجعفري أن يبعث رجلا إلى (الحائر الحسيني) الأطهر ؛ يدعو له بالشفاء مما نزل به من المرض ، وعلله : بأن الله تعالى أحب أن يدعى في هذا المكان (5). فإن غرضه ، التعريف بأنه لم يجب في شريعة التكوين إلا جري الامور على مجاريها العادية وأسبابها الطبيعية ، أو إنه أراد التنبيه على فوائد الابتهال إلى الله حينما تتوارد الكوارث على العبد ، وتحيط به المحن. كما يرشد إليه احتفاظ الربيع مولى المنصور الدوانيقي بالكنز المذخور ، الذي دعا به الإمام الصادق (ع) يوم
صفحہ 58