فمن طلبه بصدق ، وحرص عليه بحق ، فهو مهاجر إلى الله ورسوله ، تفتح له أبواب الجنة عند وصوله ، وهو مرابط في ثغور المرابطين ، وجواد في صفوف المعطين ، ومداده في الأوراق ، كدماء الشهداء المهراق ، لأنه مقاتل بسيف النصوص ، قطاع طريق الملة واللصوص ، وقد يقمع الله به الأشرار، ما لا يقوم به جيش جرار ، فإن الله يجري حجته على لسانه ، ويسير موعظته في بيانه ، فينزع الله بكلامه حظ الشيطان من النفوس ، ويجتث به خطرات الزيغ من الرؤوس ، ويغسل الله بمعين علمه أوساخ القلوب .
وينفض بنصائحه أدران الذنوب ، فكلما بنى إبليس في الأرواح ضلالة جاء العالم فأزهقها ، وكلما نسج في الأنفس خيمة للباطل قام العالم فمزقها .
صاحب المال مغموم مهموم ، خادم وليس بمخدوم ، حارس على ماله ، بخيل على عياله ، وصاحب العلم سعيد مسرور ، يعمره الحبور ، ويملأ فؤاده النور ، تعلم من السؤدد غايته ، ومن الشرف نهايته تجبى إليه ثمرات كل شيء من لطائف المعارف ، وتهوي إليه أفئدة الحكمة وهو واقف ، يأتيه طلبة العلم من كل فج عميق ، كأنما يؤمون البيت العتيق ، في قلبه نصوص الشريعة ، ينزل عليها ماء الفقه فتهتز وتربو ، وتنبت من كل زوج بهيج ، فترى العالم يجول فكره في الملأ الأعلى والناس في أمر مريج ، فقلب العالم له جولان في فضاء التوحيد ، وقلب الجاهل في غابات الجهل بليد ، أشرقت في قلب العالم مشكاة فيها مصباح ، وتنفس في نفسه نور الصباح ، أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، فاخضرت روضة العالم على أثرها.
صيد الكلب المعلم حلال ، وصيد الكلب الجاهل حرام ووبال ، وما ذاك إلا لشرف العلم حتى في البهائم ، ومكانة المعرفة حتى في السوائم .
صفحہ 34