[غلاف مقامات القرني]
مقامات القرني
أنشأها :
عائض بن عبد الله القرني .
صفحہ 1
الإهداء
إلى رحابك دبجنا رسائلنا
تكاد تحرق من أشواقنا لهبا
يا قارئ الحرف أهديناك أحرفنا
وقبلها قد بعثنا الدمع منسكبا
شوقا إليك فهل ترضى محبتنا
مهرا وإلا بعثنا القلب والهدبا
فغيرنا بمداد الحبر قد كتبوا
ومن دمانا كتبنا الشعر والخطبا
عنوان المؤلف
أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن
أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني
وفي ربى مكة تأريخ ملحمة
على ثراها بنينا العالم الثاني
في طيبة المصطفى عهدي وموعظتي
هناك ينسج تاريخي وعرفاني
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا
بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
النيل مائي ومن عمان تذكرتي
وفي الجزائر إخواني وتطواني
والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا
بدايتي وبه قد شع قرآني
وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت
آياتاها فاقرؤوا يا قوم عنواني
فأينما ذكر اسم الله في بلد
عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
العنوان
حي الرحمانية - ص . ب 379 - الرمز البريدي 11321
تليفون : 4195398 فاكس : 4196663
جوال : 055222000
مقدمة المقامات
{ باسم الله مجراها ومرساها }
الحمد لله ولي النعمة ، دافع النقمة ، ما غرد طائر بنغمة ، وهب صبح بنسمة، وتلألأت على ثغر بسمة ، والصلاة والسلام على من زين ببيانه الكلام ، وأذهل بفصاحته الأنام، وطرق بوعظه الأيام ، سلالة النجب ، وصفوة العرب، أجل من خطب ، صاحب الحسب والنسب ، محطم الأصنام والنصب ، وعلى آله والأصحاب ، ما لمع سراب ، وهمع سحاب ، وقرئ كتاب ، وبعد :
فقد أشار علي الشيخ الأريب ، والشاعر الأديب ، الدكتور / أحمد بن علي القرني الأستاذ بالجامعة الإسلامية بكتابة مقامات ، هي على الفضل علامات ، فقلت له صاحب ذلك قد مات ، ولم يبق إلا حاسد وشمات .
صفحہ 1
فذكرني بشريط مصارع العشاق ، وقال : كل لمثله مشتاق ، فإنه للقلوب ترياق ، وليس لك عذر ولو التفت الساق بالساق ، وأحضر لي من حرصه الدفاتر ، والخاطر قبل مجيئه فاتر ، فأجلت تفكيري ، وقد اشتعل في ليل رأسي صبح نذيري ، وقد سبقني لهذا الهمداني والحريري ، ولكن على الله المعول ، وكما قال الأول :
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا
لكنت شفيت النفس قبل التندم
بكاها مكان الفضل للمتقدم
وقد قلت لصاحبنا لا جرم أنك استسمنت ذا ورم ، وهذه سنة أهل الكرم ، والخاطر شذر مذر ، من شجون لا تبقي ولا تذر ، ولا أقول بعدت علينا الشقة ، ولكن كما قال أبو الطيب : لولا المشقة ، واعرف أن من البشر ، كشجرة العشر ، أعدى من السوس ، وأشأم من البسوس ، يأتي على غرة ، ويبحث عن العثرة ، ويقص الجرة ، ولو اعتذرت لنا عنده سبعين مرة .
فأقول للمادحين ، كونوا ناصحين ، وكما قيل فعين الرضا ، والمحب يمشي على جمر الغضا ، وأقول للقادحين ، كونوا مازحين ، وتذكروا : وإذا أتتك مذمتي ، واجعلوا الخطأ في ذمتي ، فقد شابت لمتي ، فإن عثر جواد بياني ، وتلعثم لساني ، فالعيب من زماني ، فما أدركت حسان ، وما صاحبت سحبان ، وما دخلت على النعمان ، وما لقيت صناع الألفاظ ، في سوق عكاظ . ولكنني مع أقوام ، على الأدب أيتام ، كلما لمع فيهم متكلم وظهر ، وقال إن الله مبتليكم من البيان بنهر ، قالوا إنما يعلمه بشر ، ولولا سواه ما اشتهر ، فيقول الحال : لكل عين قذى ، ولن يضروكم إلا أذى ، فجدوا كما جدوا ، أو سدوا المكان الذي سدوا . فكم نال الحساد صاحب الأدب ، وأنه ليس له في البلاغة نسب ، وما له في الفصاحة حسب ، وجاءوا على قميصه بدم كذب .
وكم انبعث من أهل البلادة أشقاها ، فصاح بهم رسول البيان ناقة الله وسقياها . وعسى عصا موسى البيان ، تكسر رأس فرعون الطغيان .
صفحہ 2
وإذا ألقى قميص يوسف الملاحة ، على بصر يعقوب الفصاحة ، نادى لسان حال المتكلمين : ادخلوا مصر الإبداع آمنين . وقد طاولت بهذه المقامات قامات ، ولامست بها هامات ، وكلما قابلني هامات وطامات ، قلت : أعوذ بكلمات الله التامات .
وسوف يقرؤها صاحب ورع بارد ، وذهن جامد فيتأفف ، ويتأسف ، ويقول الرجل تكلف وتعسف ، فأقول : ماذا بعشك يا حمامة فادرجي ، فقد جعلت القلم واللسان أوسي وخزرجي ، وعلمت أنه مع كل بان هادم ، ومن راقب الناس فهو النادم ، وقد عاب المخلوق الخالق فقال تعالى : ( يسبني ابن آدم ) .
وإذا أراد الله لعمل بشر أن ينتشر ، قيض الله له أهل خير وشر ، فصاحب الخير له نصير ، وظهير ، وخفير ، ووزير .
وصاحب الشر سباب عياب ، له من الحسد ناب ، وله من العداوة مخلاب .
وانظر إلى المعصوم ، كيف ابتلي بالخصوم ، شق الله له القمر ، فقالوا هذا سحر مستمر ، ولما جمع قريشا وخطبها ، قالوا أساطير الأولين اكتتبها .
وأسأل الله أن يجعل هذه المقامات ، بكل فضل ملمات ، وأن يجعلها بالحسن رائعة ، وبالفضل ذائعة ، وبالبر شائعة ، وبالأنس ماتعة ، وبالنور ساطعة ، وبالجمال لامعة ، ولكل خير جامعة ، وعن كل سوء مانعة ، وللجدل قاطعة .
محلاة بالفوائد ، مزينة بالقلائد ، متوجة بالفرائد ، مزدانة بالشوارد ، كالماء الزلال لكل صادر ووارد ، تضمرها العقائد ، وتنشرها القصائد ، وصلى الله وسلم على صفوة الحواضر والبوادي ، الذي تشرفت بذكره النوادي ، فهو الهادي ، وإلى كل فضل منادي ، وعلى آله البررة ، والأربعة الخيرة ، وبقية العشرة ، وأهل الشجرة .
بين يدي المقامات
صفحہ 3
{ قال رب اشرح لي صدري (25) ويسر لي أمري } إلهي : أسألك بالاسم الأعظم ، والوصف الأكرم ، أن تنير لي الطريق المظلم . أسألك نعمة تدفع بها نقمة ، وعلما تؤيده رحمة ، وموهبة تقيدها حكمة ، وأملا يدفع اليأس ، ورعاية ترد البأس ، اللهم ارحم العبرة ، وأقل العثرة ، وأزل الحسرة ، واكشف عنا حجب الضلالة ، وسحب الجهالة ، حتى نبصر آيات عظمتك بعيون اليقين ، ونقرأ أسطر صنعك ببصائر الموحدين ، اللهم أيدنا بعز سلطانك ، وأكرمنا بفهم برهانك ، أعوذ بك من زلة ، توجب ذلة ، وعثرة قدم ، توجب الندم ، ونسألك إخلاص النية ، وكرم الطوية ، وندعوك بلسان الاضطرار ، أن تفتح لحكمتك منا الأسماع والأبصار ، وأن تنير بوحيك مظلم الأفكار ، وما اسود من الأسرار .
وبعد : فقد سبقني إلى هذا الفن أعلام ، لهم في الحكمة أقدام ، وفي حومة البيان أعلام ، وفي طروس الفصاحة أقلام . فمنهم من خص بمقاماته الأدب ، وثان في ذكر من ذهب ، وثالث في الحب ، ورابع في الطب .
أما أنا فأطلقت للقلم زمامه ، وسرحت خطامه ، وأزحت لثامه ، ليكتب في فنون ، ويسيل في شجون ، ذاكرا من سلف ومن خلف ، آخذا من كل حكمة بطرف ، وربما لمحت في المقال ، بعض الخيال ، فلا تبد لنا قسوة ، فلي في ذلك أسوة ، فإن الأمم استنطقت الجمادات ، واستفهمت العجماوات ، وقولت الكلام الحيوانات ، وكلمت الأطلال ، ونسبت الحديث إلى الشجر والتلال ، تعريضا وتلميحا، ونسبة وتصريحا .
وللعجم من ذلك ما يبهر ، ككتب بزجر جمهر ، وللروم في ذلك تآليف ، وللهنود في هذا الفن تصانيف ، ورأيت كتب اليونان ، وصاحب الإيوان ، والمانوية من أسلاف اليابان ، كلها تنسب القول للحيوان ، وتضيف وتنقل الخطاب بغير الإنسان ، حبا للسلامة ، وخوفا من الندامة .
صفحہ 4
ثم جاء العرب ، رواد الأدب ، فأطربونا بكلام الحمام ، في الحب والغرام ، ونقلوا في الأمالي ، عتاب الطلل البالي ، وأتحفونا بحوار الأطيار ، وإظهار أسرار الديار ، حتى أسندوا الأخبار للأشجار .
فيا صاحب الدراية ، إن رأيت في هذه المقامات رواية ، فقد قصدت النفع ، ومن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل ، وقد أحلتك على ما سلف ، ومن أحيل على مليء فليحتل.
وقد جانبت في هذه المقامات التجريح ، سواء بالتلميح أو بالتصريح ، ودبجتها بالثناء والمديح ، لأن القول اللين ، والخلق الهين ، يجلب الود ، ويزيل الصد ، وكسر القلوب غلط ، وجرح المخاطب شطط ، فهنا ملاينة لا مداهنة ، وليس الخبر كالمعاينة ، ومداراة لا مجاراة ، ولي في هذه المقامات رسائل ، ومن العلم مسائل .
وفيها عبر وسير ، وأشعار وأخبار ، وشجون وفنون ، وفكاهات وملاطفات ، ومشجيات ومبكيات ، ومحفوظات وعظات ، فلا تحكم بمقامة على كل المقامات ، بل طالع الجميع ليكون حكمك موات ، فإن الروض ألوان ، والشجر صنوان وغير صنوان ، والتنويع مدعاة لإثارة الذهن البارد ، ولن نصبر على طعام واحد .
وقد جانبت فيها الهمز ، والغمز واللمز ، فلا مصلحة لنا في التعرض للأشخاص والأجناس ، أو تتبع عثرات الناس ، بل نحن أحوج إلى جبر القلوب ، ودفن العيوب ، لأن مرد الكل إلى علام الغيوب . ومن وجد نقصا فليعف عنا ، ومن غشنا فليس منا .
خذها من القلب لو أن الدجى صبغت
ثيابه بسناها المشرق الغالي
لصار نورا كأن الشمس طلعته
صفحہ 5
والبدر ومضته في حسن إجلالي وقد قرأت هذه المقامات على علماء وأدباء ، وشعراء وفضلاء ، طلبا للاستفادة ، وحرصا على الزيادة ، وقد استفدت من كل جمع ضم مجلسنا ، وشاورت كل صاحب كان يؤنسنا ، لأن مشاورة الأخيار ، تلقيح للأفكار ، وفي يوم الثلاثاء 21/5/1420ه اجتمعنا بشيخنا العلامة الفطين ، صاحب الدر الثمين ، محمد الصالح بن عثيمين ، وكان اللقاء في الرياض ، والأنس قد فاض ، فقرأت عليه مقدمة المقامات ، فاستحسن ما أوردته من كلمات ، ثم قرأت عليه المقامة النحوية ، وبها لطائف ندية ، فأضاف بعض الإضافات ، وأتحفنا ببيت من المحفوظات . نقلته في تلك المقامة ، من ذلك العلامة . وعسى ربي أن ينفعني بما كتبت ، وأن يحقق لي ما أملت ، من الفوز برضوانه ، وسكنى جنانه ، فقد اتصف بالعفو وكتبه ، ورحمته سبقت غضبه :
ولو سفكت منا الدماء بحبكم
صفحہ 6
لطرنا مع الأشواق من لذة القتل مقامة التوحيد
{ فاعلم أنه لا إله إلا الله }
فيا عجبا كيف يعصى الإله
وفي كل شيء له آية
أم كيف يجحده الجاحد
تدل على أنه واحد
التوحيد ، هو حق الله على العبيد ، وهو أول ما دعا إليه الرسل ، وبه كل كتاب نزل ، وهو أصل الأصول ، والطريق للوصول ، وبه عرف المعبود ، وعمر الوجود ، ولأجله أعدت الجنة والنار ، وسل السيف البتار ، وقوتل الكفار ، ولإقامته في الأرض دعت الأنبياء ، وعلمت العلماء ، وقتل الشهداء ، وهو أول مطلوب ، وأعظم محبوب ، وهو أشرف المقاصد ، وأعذب الموارد ، وأجل الأعمال ، وأحسن الأقوال ، وهو أول الأبواب ، وبداية الكتاب ، وأعظم القضايا ، وأهم الوصايا ، وخير زاد ، يحمله العباد ، ليوم التناد ، وهو قرة عيون الموحدين ، وبهجة صدور العابدين ، وهو غاية الآمال ، وأنبل الخصال ، بل هو أعظم الكفارات ، وأرفع الدرجات ، وأكبر الحسنات ، وهو منشور الولاية ، وتاج الرعاية ، والبداية والنهاية ، وهو الإكسير الذي إذا وضع على جبال الخطايا أصبحت تذوب ، وصارت حسنات بعد أن كانت من الذنوب .
وعلى هذا حديث (( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة )) .
وهو الذي هز في طرفة عين قلوب السحرة . فقالوا بعزم ماض : اقض ما أنت قاض ، والمرأة التي سقت الكلب ، فغفر لها الذنب ، كان معها توحيد الرب ، والرجل الذي قتل مائة رجل ، وذهب إلى القرية على عجل ، فأدركه الأجل ، غفر له بالتوحيد عز وجل . والتوحيد كنز جليل ، في قلب الخليل ، فقال لما شاهد الكرب الثقيل ، حسبنا الله ونعم الوكيل .
ولما قال الصديق في الغار ، لسيد الأبرار ، لو نظر أحدهما لرآنا ولسمعنا ، قال : { لا تحزن إن الله معنا } ، إنما قال ذلك بلسان الموحد ، وقد سدد بتوفيق الله وأيد .
صفحہ 1
وما فلق الله البحر للكليم ، إلا لأنه صاحب توحيد عظيم ، ونهج كريم ، ولو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان ، ولا إله إلا الله في كفة لكان لها الرجحان ، ولو كانت في حلقة حديد لفصمتها ، وفي صخرة لفجرتها ، ولا إله إلا الله مفتاح الجنان ، وله أسنان ، من الواجبات والأركان ، وصاحبها لا يخلد في النار ، ولا يلحق بالكفار ، وقد قالوا لأحد العلماء وقد سجن ، وفي سبيل هذه الكلمة ذاق المحن ، قل كلمة التوحيد، قال من أجلها وضعت في الحديد ، وقالوا لأحد الأولياء وقد رفع على خشبة الموت ، وقرب منه الفوت ، قل لا إله إلا الله ولا تغفل ، قال : من أجلها أقتل .
وسمع أحد الصالحين رجلا يقول لا إله إلا الله ومد بها صوته فبكى وقال :
وإني لتعروني لذكرك هزة
كما انتفض العصور بلله القطر
وسمع أحد العلماء رجلا يقول : لا إله إلا الله ، قال : صدقت وبالحق نطقت .
فيا أيها العباد خذوا من التوحيد قطرة ، وضعوه على الفطرة ، وولوا وجوهكم شطره . ويا من أثقله الهم ، وأحاط به الغم ، وهزه الألم الجم ، قل لا إله إلا الله .
ويا من أثقلته الديون ، أو غيبته الشجون ، وبات وهو محزون ، قل لا إله إلا الله .
ويا من اشتد به الكرب ، وعلاه الخطب ، اذكر الرب ، وقل لا إله إلا الله .
هي أجمل الكلمات قلها كلما
ضج الفؤاد وضاقت الأزمان
اقرأها بعين الروح ، قبل أن تقرأها بعينك في اللوح ، واكتبها في سويداء قلبك ، لتحملها إلى ربك ، وتتخلص من ذنبك .
ولما قيل لفرعون ، قل لا إله إلا الله ، تلعثم الحمار وتعثر ، فدس أنفه في الطين وتدثر . وقيل لأبي لهب قل لا إله إلا الله ، قال الخسيس ، أبى علي الجليس ، والأخ الرئيس ، إبليس . تقيأ شاعر البعث المخذول ، ليقول :
آمنت بالبعث ربا لا شريك له
صفحہ 2
وبالعروبة دينا ما له ثاني قلنا يا شاعر البعث ، وعزة ربي ليخزينك يوم البعث . يا شاعر الخمر والحشيشة ، قد أرغم أنفك أبو ريشة ، فقال :
أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم
من يأخذ تعاليمه من باريس ، حشر مع شيخه إبليس .
يا مسكين ، تتعلم حروف الهجاء من بكين ، وتهجر رسالة نزل بها الروح الأمين ، على سيد المرسلين ، من رب العالمين .
يرضع الوليد حليب التوحيد ، حتى يأتيه الحليب الصناعي من مدريد ، ليرتد المريد .
صوت التوحيد يرتفع على كل صوت ، وقوته خير من كل قوت ، لخصه أبو بكر فقال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت
لولا أن كلمة أحد ، في قلب بلال مثل جبل أحد ، ما صمد .
التوحيد له كتاب ، وله قلم جذاب ، ومداد جميل ، وكاتب جليل ، فكتابه الكون وما فيه ، وقلمه قلبك النبيه ، ومداده دمعك المترقرق ، والكاتب إيمانك المتدفق .
التوحيد له رسالة أبدية ، ودعوة سرمدية ، ولأصحابه إلى مستقرهم ممر ، وبعد مرورهم مستقر . فرسالة التوحيد إفراد الباري بالألوهيه ، والربوبيه ، ودعوته اتباع سيد البشريه ، ورسول الإنسانيه . وممر أصحابه الصراط المستقيم ، ومستقرهم جنات النعيم .
للتوحيد منبر ، ومخبر ومظهر ، ومسك وعنبر .
فمنبره القلب ، إذا أخلص للرب ، ومخبره النيات الصالحات ، ومظهره عمل بالأركان ، وخدمة للديان ، ومسكه الدعاء والأذكار ، وعنبره التوبة والاستغفار .
للتوحيد عين وبستان ، وحرس وسلطان ، وسيف وميدان .
فعينه النصوص الواضحه ، وبستانه الأعمال الصالحه ، وحرسه الخوف والرجاء ، وسلطانه واعظ الله في القلب صباح مساء ، وسيفه الجهاد ، وميدانه حركات العباد .
وللتوحيد قضاة وشهود ، وأعلام وجنود ، وحدود وقيود .
فقضاته الرسل الكرام ، وشهوده العلماء الأعلام ، وأعلامه شعائر الدين ، وجنوده فيلق من الموحدين ، وحدوده ما جاء به الخبر ، وصح به الأثر ، وقيوده ما ورد من شروط ، للتوحيد المضبوط .
صفحہ 3
من دعائم التوحيد ، عدم صرف شيء من العبادة لغير المعبود ، وتحريم تقديم شيء من لوازم الألوهية لغير الله مما في الوجود ، وركيزته إخلاص ليس فيه رياء ، وعلامته إخبات ليس معه ادعاء .
فلا تعبد النجوم ولكن يعبد مركبها ، ولا تعبد الكواكب بل يعبد مكوكبها ، ولا يؤله حجر ، ولا بشر ، ولا شجر ، ولا مدر ، بل يؤله من فجر من الحجر الماء ، وأوجد الأحياء ، وخلق الشجر كأنها أصابع الأولياء ، فسبحان رب الأرض والسماء .
الوحي هز أبا جهل هزا ، لأنه يتهزى ، وسجد للات والعزا . قاتل الله هبل ، ومن طاف حوله ورمل ، أو نذر له أي عمل ، يا من خاف على نفسه من الحريق ، والدمار والتمزيق ، احذر من الشرك { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } إذا أخلصت التوحيد جاءك النصر ، وادخر لك الأجر ، ومحا عنك الوزر .
سمع أحد العباد قارئا يتلوا { فاعلم أنه لا إله إلا الله } ، فقال أواه ، وارتفع بكاه ، وكان أحد الملوك الصالحين ، يسمع أحد القراء يقرأ بتلحين { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } فجلس يبكي ويقول وأنا أشهد مع الشاهدين .
صفحہ 4
قال أبو معاذ الرازي ، لو تكلمت الأحجار ، ونطقت الأشجار ، وخطبت الأطيار، لقالت لا إله إلا الله الملك القهار . ولما قال فرعون اللعين : { فمن ربكما يا موسى } قال : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } ، فكأنما لكمه بالجواب ، ولطمه بالخطاب . ولما قال إمام التوحيد للنمرود العنيد { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } ، بهت وكذب ، وخسر وعذب ، وهذا لظهور آيات التوحيد وقوة سلطانه ، وعزة أهله وأعوانه ، وقد أمهر يحيى بن زكريا التوحيد رأسه ، وقدم حمزة لما غمره من نور التوحيد رأسه ، ولما ذاقه جعفر ، تقطع وبالرمل تعفر ، وذبح الخلفاء على بساطه ، وضرب الأئمة على التوحيد بأيدي الظلم وسياطه ، ونحر الشهداء على فراش التوحيد وبلاطه ، وكم من موحد وضع في الزنزانة ، لما أعلن إيمانه .
ولما نطق حبيب بن زيد ، بكلمة التوحيد ، عند مسيلمة الكذاب العنيد . قطعه بالسيف فما أن ، ولا قال له تأن ، بل اشتاق إلى الجنة وحن ، ولما ذهبوا بعبد الله بن حذافة إلى القدور ، والجثث فيها تدور ، والتوحيد في قلبه يمور ، بكى وقال : يا ليت لي بعدد شعر رأسي أرواح ، لتذوق القتل في سبيل الله والجراح .
صفحہ 5
وضرب طلحة يوم أحد بالسيوف والرماح ، فما شكى ولا صاح ، حتى سال بالدم جبينه ، وشلت يمينه ، ويبقى دينه ، لأن التوحيد قرينه . وقاتل مصعب قتال الأسود ، حتى وسد اللحود ، لأنه وحد المعبود . ولما حضر عبد الله بن جحش معركة أحد ، دعا واجتهد ، بكلام يبقى إلى الأبد ، فقال : اللهم هيئ لي عدوا لك شديد حرده ، قوي بأسه ، فيقتلني فيك فيجدع أنفي ، ويبقر بطني ، ويفقأ عيني ، ويقطع أذني ، فإذا لقيتك يا رب فقلت لي : يا عبد الله لم فعل بك هذا ؟ قلت : فيك يا رب . فهل سمعت نشيدا كهذا النشيد ، وهل أطربك قصيدا كهذا القصيد ، لأنه من ديوان التوحيد .
وضع أحد الظلمة أحد الأولياء ، بين يدي الأسد ليتركه أشلاء ، شمه الأسد ثم تركه وذهب ، قيل للولي : لماذا تركك ؟ قال : بسبب التوحيد وهو أعظم سبب ، قالوا : فماذا كنت تفكر ؟ قال : كنت أفكر في سؤر الأسد هل هو طاهر أم نجس يطهر .
واعلم أن صدق التوحيد أقام بعض الأولياء ، في الليلة الظلماء ، في ذروة الشتاء ، يتوضأ بالماء ، ويقطع الليل بالصلاة والدعاء ، والمناجاة والبكاء ، وحرارة التوحيد أيقظت في الصالحين ، ذكر الله كل حين ، فلهم بالتسبيح زجل وحنين ، وعزيمة التوحيد دفعت المنفقين ، وجعلتهم بأموالهم متصدقين ، على الفقراء والمساكين .
إذا ناداك نوح التوحيد ، وقال اركب معنا أيها العبد الرشيد ، فلا تفوتك سفينة الحميد المجيد ، وجد إبراهيم بن أدهم ورقة مكتوب فيها الله وقد سقطت في الطريق فبكى وحملها ، وطهرها وطيبها ، فطهر الله نفسه ، وطيب اسمه ، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ، أن يكون أول ما يدعو إليه توحيد الله عز وجل . وكان يبدأ بالتوحيد خطبه ، ويخط به كتبه ، ويدعو إليه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا .
المقامة الإلهية
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا }
صفحہ 6
(( سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )) تأمل في نبات الأرض وانظر
عيون من لجين شاخصات
على قضب الزبرجد شاهدات
إلى آثار ما صنع المليك
بأحداق هي الذهب السبيك
بأن الله ليس له شريك
الله رحيم لطيف ، الله بيده الأمر والتصريف ، الله أعرف المعارف لا يحتاج إلى تعريف ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، ولا نرجو سواه ، عظيم السلطان والجاه ، أفلح من دعاه ، وسعد من رجاه ، وفاز من تولاه ، سبحان من خلق وهدى ، ولم يخلق الخلق سدى ، عظم سلطانه ، ارتفع ميزانه ، وجمل إحسانه ، كثر امتنانه .
إليك وإلا لا تشد الركائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع
ومنك وإلا فالمؤل خائب
وعنك وإلا فالمحدث كاذب
علام الغيوب ، غفار الذنوب ، ستار العيوب ، كاشف الكروب ، ميسر الخطوب ، مقدر المكتوب ، عظمت بركاته ، حسنت صفاته ، بهرت آياته ، أعجزت بيناته ، أفحمت معجزاته ، جلت أسماؤه ، عمت آلاؤه ، امتلأت بحمده أرضه وسماؤه ، كثرت نعماؤه ، حسن بلاؤه . ما أحسن قيله ، ما أجمل تفصيله ، ما أبهى تنزيله ، ما أسرع تسهيله ، ليس إلا الخضوع له وسيلة ، وليس لما يقضيه حيلة .
قد كنت أشفق من دمعي على بصري
والله ما ذكرت نفسي معاهدكم
فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
إلا رأيت دموع العين هتانا
يسقي ويطعم ، يقضي ويحكم ، ينسخ ويبرم ، يقصم ويفصم ، يهين ويكرم ، يروي ويشبع ، يصل ويقطع ، يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، يرى ويسمع ، ينصر ويقمع وليه مأجور ، والسعي إليه مبرور ، والعمل له مشكور ، وحزبه منصور ، وعدوه مدحور وخصمه مبتور ، يسحق الطغاة ، يمحق العصاة ، يدمر العتاة ، يمزق من آذاه .
سبحان من لو سجدنا بالجباه له
لم نبلغ العشر من مقدار نعمته
على لظى الجمر والمحمى من الأبر
صفحہ 7
ولا العشير ولو عشر من العشر من انتصر به ما ذل ، ومن اهتدى بهداه ما ضل ، ومن اتقاه ما ذل ، ومن طلب غناه ما قل ، له الكبرياء والجبروت عز وجل .تم كماله ، حسن جماله ، تقدس جلاله ، كرمت أفعاله ، أصابت أقواله ، نصر أوليائه ، خذل أعدائه ، قرب أحبائه . اطلع فستر ، علم فغفر ، حلم بعد أن قدر ، زاد من شكر ، ذكر من ذكر ، قصم من كفر .
يا رب أول شيء قاله خلدي
فوالذي قد هدى قلبي لطاعته
أني ذكرتك في سري وإعلاني
لأذهبن بوحي منك أحزاني
لو أن الأقلام هي الشجر ، والمداد هو المطر ، والكتبة هم البشر ، ثم أثنى عليه بالمدح من شكر ، لما بلغوا ذرة مما يستحقه جل في علاه وقهر . اعمر جنانك بحبه ، أصلح زمانك بقربه ، اشغل لسانك بمديحه ، احفظ وقتك بتسبيحه . العزيز من حماه ، المحظوظ من اجتباه ، الغني من أغناه ، السعيد من تولاه ، المحفوظ من رعاه . أرسل الرسل أفنى الدول ، هدى السبيل ، أبرم الحيل ، غفر الزلل ، شفى العلل ، ستر الخلل .
مهما كتبنا في علاك قصائدا
فلأنت أعظم من مديحي كله
بالدمع خطت أو دم الأجفان
وأجل مما دار في الحسبان
في حبك عذب بلال بن رباح ، وفي سبيلك هانت الجراح ، لدى عبيدة بن الجراح، ومن أجلك عرض مصعب صدره للرماح . ولإعلاء كلمتك قطعت يدا جعفر ، وتجندل على التراب وتعفر ، ومزق عكرمة في حرب بني الأصفر . أحبك حنظلة فترك عرسه ، وأهدى رأسه ، وقدم نفسه ، وأحبك سعد بن معاذ فاستعذب فيك البلاء ، وجرت منه الدماء ، وشيعته الملائكة الكرماء ، واهتز له العرش من فوق السماء .
وأحبك حمزة سيد الشهداء ، فصال في الهيجاء ، ونازل الأعداء ، ثم سلم روحه ثمنا للجنة هاء وهاء . من أجلك سهرت عيون المتهجدين ، وتعبت أقدام العابدين ، وانحنت ظهور الساجدين ، وحلقت رؤوس الحجاج والمعتمرين ، وجاعت بطون الصائمين ، وطارت نفوس المجاهدين .
يا ربي حمدا ليس غيرك يحمد
صفحہ 8
أبواب كل مملك قد أوصدت يا من له كل الخلائق تصمد
ورأيت بابك واسعا لا يوصد
أقلام العلماء ، تكتب فيه الثناء ، صباح مساء ، الرماح في ساحة الجهاد ، والسيوف الحداد ، ترفع اسمه على رؤوس الأشهاد ، جل عن الأنداد والأضداد .
للمساجد دوي بذكره ، للطيور تغريد بشكره ، وللملائكة نزول بأمره ، حارت الأفكار في علو قدره ، وتمام قهره .
من أجلك هاجر أبو بكر الصديق وترك عياله ، ولمرضاتك أنفق أمواله وأعماله ، وفي محبتك قتل الفاروق ومزق ، وفي سبيلك دمه تدفق ، ومن خشيتك دمعه ترقرق . ودفع عثمان أمواله لترضى ، فما ترك مالا ولا أرضا ، جعلها عندك قرضا . وقدم علي رأسه لمرضاتك في المسجد وهو يتهجد ، وفي بيتك يتعبد فما تردد .
أرواحنا يا رب فوق أكفنا
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو
كنا نرى الأصنام من ذهب
نرجو ثوابك مغنما وجوارا
نصب المنايا حولنا أسوارا
فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
تفردت بالبقاء ، وكتبت على غيرك الفناء ، لك العزة والكبرياء ، ولك أجل الصفات وأحسن الأسماء . أنت عالم الغيب ، البريء من كل عيب ، تكتب المقدور ، وتعلم ما في الصدور ، وتبعثر ما في القبور ، وأنت الحاكم يوم النشور . ملكك عظيم ، جنابك كريم ، نهجك قويم ، أخذك أليم ، وأنت الرحيم الحليم الكريم .
من الذي سألك فما أعطيته ، والذي دعاك فما لبيته ، ومن الذي استنصرك فما نصرته ، ومن الذي حاربك فما خذلته . لا عيب في أسمائك لأنها حسنى ، لا نقص في صفاتك لأنها عليا . حي لا تموت ، حاضر لا تفوت ، لا تحتاج إلى القوت ، لك الكبرياء والجبروت ، والعزة والملكوت .
لو أن أنفاس العباد قصائد
ما أدركت ما تستحق وقصرت
حفلت بمدحك في جلال علاكا
عن مجدك الأسما وحسن سناكا
كسرت ظهور الأكاسرة ، قصرت آمال القياصرة ، هدمت معاقل الجبابرة ، وأرديتهم في الحافرة . من أطاعك أكرمته ، من خالفك أدبته ، من عاداك سحقته ، من نادك محقته ، من صادك مزقته .
صفحہ 9
تصمد إليك الكائنات ، تعنو إليك المخلوقات ، تجيب الدعوات ، بشتى اللغات ، وبمختلف اللهجات ، على تعدد الحاجات ، تفرج الكربات ، تظهر الآيات ، تعلم النيات وتظهر الخفيات ، تحيي الأموات . دعاك الخليل وقد وضع في المنجنيق ، وأوشك على الحريق ، ولم يجد لسواك طريق ، فلما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، صارت النار عليه بردا وسلاما في ظل ظليل ، بقدرتك يا جليل . وفلقت البحر للكليم ، وقد فر من فرعون الأثيم ، فمهدت له في الماء الطريق المستقيم . ودعاك المختار ، في الغار ، لما أحاط به الكفار ، فحميته من الأشرار ، وحفظته من الفجار . قريب تجيب كل حبيب .
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما
ما خاب من يرجوك عند ملمة
أنت القوي الواحد القهار
صمدت إليك البدو والحضار
لو أن الثناء ، لرب الأرض والسماء ، كتب بدماء الأولياء ، على خدود الأحياء ، لقرأت في تلك الخدود ، صحائف من مدح المعبود ، صاحب الجود ، بلا حدود .
ألسنة الخلق أقلام الحق ، فما لها لا تنطق بالصدق ، وتوحده بذاك النطق . لا تمن عليه دمعة في محراب ، فقد مزق من أجله عمر بن الخطاب ، ما لك إلى عبادتك الزهيدة تشير ، وقد نشر الأولياء في حبه بالمناشير .
فاز بلال لأنه ردد أحد أحد ، ودخل رجل الجنة لأنه أحب قل هو الله أحد ، ومدح سبحانه نفسه فقال : الله الصمد ، ورد على المشركين فقال : لم يلد ولم يولد .
صفحہ 10
سبحان من تحدى بالذباب المشركين ، وضرب العنكبوت مثلا للضالين ، وذكر خلقه للبعوض إزراء بالكافرين ، وحمل الهدهد رسالة التوحيد فجاء بخبر يقين ، وأهلك ناقه أعداءه المعارضين . خلق الأبرار والفجار ، والمسلمين والكفار ، والليل والنهار ، والجنة والنار ، وأنزل كل شيء بمقدار . في القرآن برهانه ، في الكائنات امتنانه ، للمؤمنين إحسانه ، في الجنة رضوانه ، عم الكون سلطانه ، اللهم يا ذا العرش المجيد ، أنت المبدئ المعيد ، أنت الفعال لما تريد ، أنت ذا البطش الشديد ، لا ضد لك ولا نديد ، كورت الليل والنهار ، وجعلت النور في الأبصار ، وحببت العبادة إلى الأبرار ، وأجريت الماء في الأشجار ، أنت الملك الجبار ، والقوي القهار ، والعزيز الغفار ، أسألك بالأسماء التي بالسمو معروفة ، وأسألك بالصفات التي هي بالمجد موصوفة .
صفحہ 11
عن كل عيب تنزهت ، وعن كل نقص تقدست ، وعلى كل حال تباركت ، وعن كل شين تعاليت ، منك الإمداد ، ومن لدنك الإرشاد ، ومن عندك الاستعداد ، وعليك الاعتماد ، وإليك يلجأ العباد ، في النوازل الشداد . حبوت الكائنات رحمة وفضلا، ووسعت المخلوقات حكمة وعدلا ، لا يكون إلا ما تريد ، تشكر فتزيد ، وتكفر فتبيد ، تفردت بالملك فقهرت ، وتوحدت بالربوبية فقدرت، تزيد من شكرك ، وتذكر من ذكرك ، وتمحق من كفرك ، حارت في حكمتك العقول ، وصارت من بديع صنعك في ذهول ، أدهشت بعجائب خلقك الألباب ، وأذهلت الخلائق بالحكم والأسباب ، باب جود عطائك مفتوح ، ونوالك لمن أطاعك وعصاك ممنوح ، وهباتك لكل كائن تغدو وتروح . لك السؤدد ، فمن ساد فبمجدك يسود ، وعندك الخزائن فمن جاد فمن جودك يجود ، صمد أنت فإليك الخلائق تصمد ، مقصود أنت فإليك القلوب تقصد ، تغلق الأبواب عن الطالبين إلا بابك ، ويسدل كل حجاب عن الراغبين إلا حجابك ، خصصت نفسك بالبقاء فأهلكت من سواك ، وأفردت نفسك بالملك فأهلكت من عداك، لا نعبد إلا إياك ، ولا نهتدي إلا بهداك ، أقمت الحجة فليس لمعترض كلام ، وأوضحت المحجة فليس لضال إمام . شرعت الشرائع فكانت لك الحجة البالغة على الضلال ، وبينت السنن فما حاد عنها إلا الجهال ، نوعت العقوبة لمن عصاك ، وغايرت بين النكال لمن عاداك ، جعلت أسباب حياته مماته ، علة إنطاقه إسكاته ، أحييت بالماء وبه قتلت ، وأنعشت الأرواح بالهواء وبه أمت ، أشهد أنك متوحد بالربوبية ، متفرد بالألوهية ، أنت الملك الحق المبين ، وأنت إله العالمين ، وكنف المستضعفين ، وأمل المساكين ، وقاصم الجبارين ، وقامع المستكبرين .
ولما جعلت التوحيد شعاري ، مدحت ربي بأشعاري ، فقلت في مدح الباري :
صفحہ 12
هذا أريج الزهر من بستانه
السحر من إخوانه والحب من
أنا ما رويت الشعر من روما
كلا وما ساجلت من عمران
دع لامرئ القيس الغوي ضلاله
ضل الهداية شكسبير فما روى
لما دعوت الشعر جاء ملبيا
فعففت عن مدح الأنام ترفعا
لا سيف ذي يزن يتوج مدحتي
أو عاد أو شداد أو ذو منصب
ملك الملوك قصدته ومدحته
والله لو أن السماء صحيفة
والدوح أقلام وقد كتب الورى
لم يبلغوا ما يستحق وقصروا
لو تستجير الشمس فيه من الدجى
أو شاء منع البدر في أفلاكه
حتى الحجارة فجرت من خوفه
وتصدعت شم الجبال لبأسه
وتفتح الزهر الندي بصنعه
والحوت قدسه بأجمل نغمة
حتى الضفادع في الغدير ترنمت
هذى النجوم عرائس في محفل
يا مسرح الأحباب ضيعت الهوى
مجنون ليلى ما اهتدى لرحابه
أو ما قرا عنه وثيقة عهده
الشمس تسجد تحت عرش إلهنا
شعر كأن الفجر في أجفانه
أخدانه والحسن من أعوانه
وما رتلت آي الحسن من لبنانه
أو حطان أو مجنونه أو قبانه
يلقي قفا نبك على شيطانه
إلا نزيف الوهم من هذيانه
يسقى كؤوس الشعر من حسانه
لا تمدحن العبد في طغيانه
أو شكر نابغة على ذبيانه
ينمى إلى عدنان أو قحطانه
فتراكض الإبداع في ميدانه
والمزن يمطرها على إبانه
مدح المهيمن في جلالة شأنه
وزن الهباءة ضاع في ميزانه
لغدا الدجى والفجر من أكفانه
عن سيره لم يسر في حسبانه
والصخر خر له على أذقانه
والطلع خوفا شق من عيدانه
يزهو مع التسبيح في بستانه
لغة تبز الحسن من سحبانه
بقصائد التقديس في غدرانه
تملي حديث الحب في سلطانه
وضللت يا ابن الطين عن عنوانه
متهتكا عبثا مع مجانه
فيها حديث الصدق من قرآنه
والبدر رمز الحسن في أكوانه
والهدهد احتمل الرسالة غاضبا
غضبا على بلقيس تعبد شمسها
لولاه نوح ما نجا يوم الردى
لما دعاه يونس لباه في
يدعو إلى التوحيد من إيمانه
فسعى لنسف الملك من أركانه
في فلكه المشحون من طوفانه
صفحہ 13