ترجمة / الداعي إلى الحق الحسن بن زيد العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، سفن النجا ، ونجوم السما ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتابعين لهم بخير وإحسان إلى يوم الدين .
إهداء :
إلى كل من ييحث عن رجال اشتروا من الله أنفسهم ، إلى كل من يبحث عن رجال سعوا إلى إكمال رسالة جدهم محمد بن عبدالله (ص) ، إلى كل من يبحث عن رجال أصلوا الإسلام في بلاد الرحمن ، إلى كل من يبحث عن الثقل الأصغر الملازم للكتاب ، إلى كل من يبحث عن بني علي وفاطمة ، إلى كل من يبحث عن تاريخهم وأصولهم وأديانهم ، أقدم هذه الرسالة التعريفية المختصرة ، عسى الله ان ينفع بها ، وأن تكون مصباحا لمن قطع على نفسه عهدة البحث عن مذاهب أهل البيت (ع) .
الداعي إلى الحق المبين الحسن بن زيد بن رسول الله (ع) :
نسبه :
علم العترة النبوية ، والمجاهد في الله حتى أتاه اليقين ، ناشر علوم الآل ، ومبيد الشرك والضلال ، الإمام الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه وعلى آبائه السلام .
مولده :
لم تشر المصادر التاريخية التي بين أيدينا إلى أدنى معلومة عن تاريخ ولادته (ع) .
دعوة الإمام يحيى بن عبدالله المحض في بلاد الديلم :
بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى (ع) في معركة فخ على أيدي جنود الخليفة العباسي موسى الهادي ، فر الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، إلى صنعاء في بلاد اليمن ، فخاف من العباسيين هناك، ثم فر إلى بلاد الحبشة ومنها إلى بلاد تركستان ، ثم إلى بلاد الديلم ولاذ بملكها جستان ، فرحب به وأكرمه ، وهناك سعى الإمام (ع) إلى نشر الإسلام وإرساء الدعوة العلوية ، فكانت هذه الدعوة منه (ع) ، بمثابة الغرس الثابت ، حيث مهدت لاحتضان دعوات أهل البيت (ع) ، أبناء الحسن والحسين ، ثقل الله الأصغر في الأرض .
دعوة الإمام يحيى بن عمر في الكوفة ( 248 ه ):
قام الإمام يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، بالدعوة إلى الرضا من آل محمد ، في الكوفة سنة 248 للهجرة ، وذلك في أيام المستعين العباسي ، وقد كان خرج غاضبا لله ، آمرا بالمعروف والنهي عن المنكر ، محييا للسنن مميتا للبدع ، على منهج سلفه من أهل البيت (ع) ، فالتحقت به الزيدية واستبسلوا في القتال بين يديه ، وكانوا يقاتلون ليلا ، ولم يحالفهم النصر ، فاستشهد الإمام يحيى بن عمر (ع) ، وفر من نجى من أصحابه ، وكان ممن نجا من هذه الوقعة الإمام الداعي الحسن بن زيد العلوي ، وهو صاحب الترجمة .
ملاحظة / الإمام يحيى ببن عمر هو ابن أخو الإمام فقيه آل محمد ومرجع الشيعة الزيدية في الكوفة / الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين (ع) ، وهو أحد المبايعين لنجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، وجمع أقواله وأقوال أهل البيت المتقدمين ، مسند أهل الكوفة ومحدثهم الشريف أبو عبدالله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عليه وعلى آبائه السلام ، جمعها في كتابه العظيم جامع علوم آل محمد ( الجامع الكافي ) ، وهو تحت التحقيق فالطبع ، ويبلغ تقريبا 6 مجلدات ، لاغنى لأي علوي فاطمي عنه . وانتزع منه القسم المختص بالفقه وطبع ، وفيه أقوال الحسن بن يحيى بن زيد عم الإمام يحيى بن عمر ، وأقوال فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي زين العابدين (ع) ، وأقوال القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، وتستطيع تحميله من خلال الرابط :
http://hamidaddin.net/ebooks/Aljamea.chm
دخول الدعوة الزيدية بلاد طبرستان على يد الداعي إلى الحق الحسن بن زيد (250ه) :
سبق وأن أشرنا إلى مشاركة الداعي إلى الحق الحسن بن زيد لثورة ابن عمه يحيى بن عمر ، وكيف أنه فر من المعركة بعد استشهاد ابن عمه ، ومنها لاذ ببلاد الري ، ويشير ابن خلدون في مقدمته إلى أن أمر الزيدية لم يكن منتظما قبل خروج الداعي إلى الحق الحسن بن زيد إلى بلاد طبرستان ، والحق أن الداعي في هذه البلاد قد أحيا النواة التي بذرها سلفه وقدوته الإمام يحيى بن عبدالله المحض (ع) كما سبق وأن أشرنا ، فعمل على نشر الدعوة الزيدية هناك ، كما تؤكد ذلك معظم المصادر التاريخية ، ولا يختلف في زيديته اثنان ، وساعده على بسط نفوذه في تلك البلدان ، انتشار ظلم عمال بني العباس للناس ، حيث كان عامل بني العباس على جزء من الديلم ، هو سليمان بن عبدالله بن طاهر ، ولاه هذا المنصب محمد ( المتولي لقتل الإمام يحيى بن عمر ) بن طاهر بن عبدالله عامل خراسان والديلم ، ومعه محمد بن أوس البلخي على طبرستان ، وهؤلاء ولاهم الولاية العامة المستعين العباسي ، وعمل هذين الواليين على ظلم أهل تلك الديار ، محمد بن طاهر استقطع أراضيهم ، ومحمد بن أوس آذاهم في أبدانهم التي يزداد حصاد جنوده لهم يوما عن يوم ، فكان ممن أنكر هذا عليهما الأخوين محمد وجعفر ابني رستم الديلمي ، وعاضدهما المظلومين من أهل تلك الديار ، فسعى الأخوين لمبايعة رجل من الطالبيين المقيمين في طبرستان ، فتوجهوا إلى ( محمد بن إبراهيم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم ، "إلى هنا ذكر نسبه " قلت : لعل التكملة " بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، والله أعلم ) ، وطلبا منه أن يبايعاه بالإمامة ، فقال لهم : (( أدلكم على رجل منا هو أقوم بما دعوتموه إليه مني ، فقالوا : من هو ؟ فقال : الحسن بن زيد )) ، وكان الداعي إلى الحق الحسن بن زيد (ع) حينها في بلاد الري ، ينشر العلم ، ويفقه الناس ، ويهيئ لقيام دعوة علوية جامعة نافعة ، على سنن أهل بيته السابقين ، فعمل ابنا رستم محمد وجعفر على الاتصال به ، ومابيعته إماما لهم ، وبايعه معهم أهل الثغور ، وعدد من رؤساء الديلم ، فكانت هذه البيعة من الديلميين للداعي حافزا للتقدم إلى حدود الديلم ، وفعلا تقدموا ، ففر جنود العباسيين من الحدود ، فدخل الداعي بجيشه بدون قتال ، فذاع صيته في مختلف بلاد الديلم ، وتهافتت البيعات إليه من كل صوب ، وبايعه أهل طبرستان قاطبة ، عدى فئة قليلة من سكان الجبال بقيادة الاصبهبذ الطبرستاني ، فقرعت أخبار الحسن بن زيد مسامع محمد بن أوس البلخي ، فأرسل إلى كبراء ( قلعة كلارستان ) ، عبدالله بن سعيد ومحمد بن عبدالكريم ، يطلب منهما التصدي للحسن بن زيد ، ولكنه تفاجأ بهما قد خلعا طاعته ، وذهبا إلى الحسن ابن زيد وهو في ( سعد أباد ) وبايعاه بالسمع والطاعة ، ومن هنا آذنت الإمامة الزيدية قيامها وتوطيد دعائمها في هذا الركن من العالم ، فقام الحسن بن زيد بالتنقل بين بلدان الديلم ودعوته العادلة في ازدياد والإقبال عليه في ازدياد أكبر ، فذهب إلى ( كوشيد ) وبايعته المحافل ، ثم توجه إلى ( كيجور ) وفيها لقي ابن عمه محمد بن إبراهيم العلوي الحاث الناس على نصرته وبيعته ، فرحب محمد بمقدمه ، واستقبله خير استقبال ، ثم نظم الداعي إلى الحق الحسن بن زيد أموره فأرسل دعاته إلى ( سالوس ) لأخذ البيعة له ، وتوجه هو إلى ( ناتل وبايدشت ) وهي قرية قريبة من عاصمة طبرستان ( آمل ) ، وفي آمل اشتبكت الزيدية بقيادة محمد وجعفر ابني رستم في حرب مع جيوش محمد بن أوس البلخي بقيادة محمد أخشيد ، انتهت بانتصار الزيدية ، وسقوط ابن أخشيد من على فرسه وقطع رأسه ، وكان مركز ثقل البلخي في العاصمة آمل ، فزحفت الزيدية إليها وفر منها أتباع محمد بن أوس البلخي ، ووقف الأخوين بجيشيهما على مشارف آمل ، وكان الداعي إلى الحق الحسن بن زيد لا يزال في ( بايدشت ) ، حيث وافاه رجال الاصبهبذ المعرض عنه في بداية دعوته وأعلنوا الولاء له ، ثم انقسم رجال الداعي إلى فريقين فريق بقيادة محمد بن حمزة أحد قواد الإمام ، وفريق بقيادته ، فذهب جيش محمد بن حمزة لمساندة محمد وجعفر ابنا رستم ، والذين اشتبكوا فيما بعد مع الجيش العباسي المتمركز في آمل بقيادة محمد بن أوس البلخي نفسه، فأتى الداعي إلى الحق بجيشه ودخل مدينة آمل من الخلف ، فضعفت قوات الوالي العباسي البلخي ، فهرب البلخي مخليا وراءه مدينة آمل ، للداعي إلى الحق الحسن بن زيد (ع) ، وبقي (ع) ظاهرا على بلاد طبرستان إلى أن توفي سنة 270 ه ، وبهذا تكون إمامته قرابة العشرين عاما ، وكان ممن سانده من أهل البيت (ع) على هذه الدعوة كما ذكر الأصفهاني في المقاتل : محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وكان داعية بالري للحسن بن زيد . ومن آل جعفر بن أبي طالب : عبدالله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنهم ، فسلام الله على أهل البيت ما أحرصهم على دينهم ودين جدهم ، بل ما أحرصهم على دين ربهم ، وما أحسن أهل البيت على مذهب اهل البيت مجتمعون ، كلمتهم واحدة ، واعتقادهم في ربهم واحد ، انظر هؤلاء في أقصى الشمال الشرقي يدعون بدعوة أهل البيت ، يدعون بدين آباءهم وأجدادهم ، حيث هم الثقل الأصغر الملازم للكتاب ، وانظر في نفس الفترة الزمنية التي يسعى فيها أبناء الحسن والحسين إلى نشر دين أهل البيت في بلاد الجيل والديلم وطبرستان ، يسعى الإمام محمد بن القاسم الرسي وابن أخيه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين إلى نشر دين أهل البيت (ع) في بلاد الحجاز واليمن ، ويجمع الجميع نفس الهدف ، ونفس الدين ، ونفس العقيدة ، فسلام الله على الثقلين ، الأكبر والأصغر .
شيء من شعره (ع) :
ذكر الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الرسي الحسني في الشافي (1/282) ، أن الداعي إلى الحق الحسن بن زيد (ع) ، ألحق في كتاب ورده من بني العباس ، شعرا يقول فيه :
لا ظلم في ديننا ولا أثره *******بالسيف نعلو جماجم الكفرة
يا قومنا بيعتان واحدة ********* هاتا وهاتاك بيعة الشجرة
ردوا علينا تراث والدنا ******** خاتمه والقضيب والحبره
وبيت ذي العرش سلموه لنا ****تليه منا عصابة طهرة
فطالما دنست مناسكه ****** وأظهرت فيه فسقها الفجرو
العملة الرسمية لدولة الحسن بن زيد (ع) :
أرسى الحسن بن زيد (ع) ، دعائم دولة إسلامية ، عادلة ، قائمة على أسس ودعائم شرعية ثابتة ، وحق لها ، أن تكون الأم الممهدة لدعوات بني فاطمة من بعده في الجيل والديلم وطبرستان ، وعلى رأسهم دولة الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي زين العابدين (ع) .
عمل الحسن بن زيد (ع) ، على سك عملة رسمية ، كان منشئها ومصدرها ، كما يشير الباحث فرج الله أحمد يوسف ، إلى بلاد نيسابور ، وليس إلى بلاد آمل عاصمة طبرستان ، وبهذا يستنتج الباحث فرج الله أن بلاد نيسابور قد دخلت تحت حكم الداعي ، وأضاف أن هذا مالم يشر إليه المؤرخون ، وقال الباحث أيضا :
(( ونقش على هذا الدينار آيتان قرآنيتان ، فعلى الهامش الخارجي للوجه ، نقش جزء من الآية 33 من سورة الأحزاب { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } ، وهذه الآية نزلت في آل البيت ، وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، لذا فقد نقشها الحسن بن زيد على نقوده ، ليبين أحقية العلويين بالخلافة ، ولم تظهر هذه الآية إلا على مسكوكات العلويين ، فقد سجلت على مسكوكات خلفاء الحسن بن زيد في حكم الدولة العلوية بطبرستان ، محمد بن زيد (أخو الحسن بن زيد ) ( 270 -287 ه ) ، والحسن بن القاسم ( 304-316 ه ) .
بينما نقش على هامش الظهر الآية 39 من سورة الحج { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } .. ، نقشها الحسن بن زيد على مسكوكاته ، ليبين الأسباب التي دفعته للخروج على العباسيين الذين استأثروا بالخلافة دون العلويين وأشبعوهم قتلا وتشريدا .
وسجل في السطر الرأبع من مركز وجه هذا الدينار ، لقب الداعي إلى الحق ، وكان لقب الداعي يطلق على القائمين بالدعوة الشيعية [ الزيدية ] في مختلف أنحاء العالم الإسلامي )) اه كلام الباحث فرج الله أحمد يوسف .
الوجه :
مركز /
لا إله إلا
الله وحده
لا شريك له
الداعي إلى الحق
هامش داخلي / بسم الله ضرب هذا الدينار بنيسابور سنة اثنتين وستين ومائتين
هامش خارجي / إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
الظهر :
مركز /
الله
محمد
رسول
الله
الحسن بن زيد
هامش / أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير .
المصدر / مجموعة عالم المخطوطات والنوادر ، ملحق نصف سنوي يصدر عن عالم الكتب ، العدد 2 ، ص541 -545 . بقلم الباحث فرج الله أحمد يوسف .
خريطة توضح معالم بلاد الديلم :
نظرا لإشكالية معرفة مواقع بعض ما ذكرنا في كلامنا السابق من البلدان ، بسبب الجغرافية الجديدة للعالم ، عثرت على خريطة اجتهد فيها الدكتور إبراهيم سلمان الكروي في تحديد موقع الديلم على خارطة العالم . فقال في كتابه البويهيون والخلافة العباسية ( ص29) : (( الاقسام الإداريها لبلاد الديلم ، وتشمل : أ- قومس. ب- طبرستان . ج- جرجان . د- جيلان .
المصدر / كتاب البويهيون والخلافة العباسية للدكتور إبراهيم سلمان الكروي ، ص27 .
تراثه الفكري المجيد :
يشير ابن النديم في الفهرست أن للحسن بن زيد من المؤلفات :
1- الجامع في الفقه .
2- كتاب البيان .
3- الحجة في الإمامة .
وفاته (ع) :
توفي الداعي إلى الحق (ع) سنة 270 ه ، وقام من بعده أخوه محمد بن زيد ، ثم الناصر الأطروش الحسن بن علي (ع) .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .
17/12/1425ه
صفحہ 60