ترجمة / الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين والتابعين لهم بخير وإحسان إلى يوم الدين .
الإمام أحمد بن الحسين الهاروني ابن رسول الله :
نسبه :
هو الإمام المؤيد بالله أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
مولده :
ولد (ع) بآمل طبرستان في الكلاذجة ، سنة 333 ه . ( وآمل اليوم هي ( محافظة مازندران الإيرانية ، والكلاذجة موضع أيضا في إيران ) .
نشأته (ع) :
نشأ (ع) على مكارم الأخلاق ، وحميد الفعال ، صاحب ذهن سيال وعزيمة في طلب العلم والحق قوية ، آثر مشرب الآباء الأخيار من أهل البيت (ع) ، فاجتهد في إعلاء مذهبهم ومسلكهم في العدل والتوحيد على مذهب الزيدية الكرام ، فاختلف على أبي العباس حافظ أهل البيت (ع) أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، وأخذ عنه علوم أهل البيت (ع) ، ( وأبو العباس شيخ المؤيد بالله ، كان تلميذا عند الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ) ، ,ودرس المؤيد بالله (ع) أيضا ، على فقيه الزيدية علي بن إسماعيل بن إدريس رحمه الله تعالى ، وهكذا كانت حياة الإمام المؤيد بالله الهاروني (ع) ، حياة مليئة بالجد والاجتهاد والمثابرة في طلب العلم ، وله مواقف مشهورة تؤيد كلامنا زبرتها كتب السير ، لعلنا نذكر بعضها في قادم كلامنا عنه (ع) .
خطبته (ع) وزواجه (ع) :
استصحبه أبوه يوما لزيارة الشريف أبي الحسين يحيى بن الحسن الحسني الزاهد ، فلما دخل عليه رحب به ، وخطب منه ابنته ( الحسنى ) لابنه المؤيد بالله ، فأشفعه الشريف ورحب به ، وقال : إنه لا يصلح لها غيره ! ، وذكر صاحب سيرة المؤيد بالله (ع) ، أنه كان يقول : أنها لما زفت ، بقيت في الصلاة ليالي متوالية إلى الصباح ، وأنا أستحي أن أعترض لها ، وساعدتها في العبادة ، فلم أر أزهد منها ، ولا أستر ، فعاشرتها سنين ، ثم مضت إلى رحمة الله في شبابها ، ( وقبرها يزار في الكلاذجة ) .
ورعه (ع) :
كان (ع) في الورع والتقشف والاحتياط والتقزز إلى حد تقصر العبارة دونه ، وليس أدل على هذا التقشف والورع إلا كتابه ( سياسة المريدين ) ، فمن طالعه وجد هذ جليا فيه . وهنا نطرح نماذجا من ورعه وتواضعه على جلال قدره (ع) :
نماذج من ورع وتواضع المؤيد بالله (ع) :
* قال صاحب سيرته : كان المؤيد بالله (ع) يحمل السمك من السوق إلى داره قمعا لنفسه ، وكسرا لهواه ، وقسرا لتكبره ، وكانت الشيعة يتشبثون به ويتبركون بحمل ما معه من متاع ، فلا يمكن أحدا من حمله ، ويقول : إنما أحمله قسرا للهوى ، وتركا للتكبر ، لا لإعواز من يحمله .
* قال صاحب سيرته : كان المؤيد بالله (ع) يجالس الفقراء ، وأهل المسكنة ، ويكاثر أهل الستر والعفة ، ويميل إليهم ، ويلبس الوسط من الثياب القصيرى إلى نصف الساقين ، قصيرة الكمين ، وكان يرقع بيده قميصه ، ويشتمل بإزار إلى أن يفرغ من إصلاحه ،وكان يلبس قلنسوة من صوف أحمر مبطنة يحشوها بقطن ، ويتعمم فوقها بعمامة صغيرة متوسطة .
* قال صاحب سيرته : كان المؤيد بالله (ع) يرد الهدايا والوصايا إلى بيت المال ، وكان يكثر ذكر الصالحين ، وإذا خلا يتلو القرآن بصوت شجي حزين ، وكان غزير الدمع كثير البكاء ، دائم التفكر ، يتأوه في أثناءه ، وربما تبسم أو كشر عن أسنانه ،وقال القاضي يوسف ( وهو خطيب الإمام ) : صحبته ستة عشرة سنة ، فلم أره مستغرقا في الضحك .
تنبيه : تأمل أخي القارئ ، أن صاحب هذه الصفات السابقة ، كان صاحب منزلة رفيعة بين أصحابه ، بل كان إماما يتبعه مأمومين كثيرين ، تجبى إليه العشور والزكوات ، ومع هذا وذاك فقد كان حاله ما ذكرنا ، فلله دره من إمام .
خروجه ودعوته :
كان دأب أهل البيت (ع) ، إعلاء سنة جدهم محمد بن عبدالله (ص) ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذا كان أئمة الزيدية الذين هم سادات بني الحسن والحسين (ع) ، آمرون بالمعروف ناهين عن المنكر مقتفين نهج أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين ، وآباءه الكرام عليه وعليهم السلام ، فلا يكاد يقر لهم قرار ، والمنكر فاش ظاهر في الناس ، ولا يارون على كظة الظالم ، ولا سغب المظلوم ، وهنا عزم المؤيد بالله (ع) على التمثل بمثال آباءه الكرام ، ففجر دعوة الحق في مشارق الأرض ، ودعا إلى إلى إقامة الكتاب والسنة ، فأجابه جمع غفير من أهالي الجيل والديلم ، وحصل أن خرج من الري في الخرجة الأولى فوافى بلاد (جيلان) ونزل قرية يقال لها (كازرون) ، ونزل في مسجد رجل يقال له بهرام بن تيجاسف ، فاحتشد أهل تلك البلاد على هذا المسجد ( لمجرد معرفتهم المسلقة أنه سينزل في هذا المسجد ) وهم لا يعرفون المؤيد بالله (ع) ، بعينه وشخصه ، فحصل وأن سأله أحدهم : يقال أن السيد أبا الحسين في الطريق ؟! ، فأجابه (ع) : نعم ، أنا أبو الحسين الهاروني . فبرز بهرام صاحب المسجد ، ودعا بالطبال ، وأمر بضرب الطبل ، ليحتشد الناس على أبي الحسين (ع) ، نصرة له ومعاونة ، فخرج معه من تلك القرية سبعون رجلا من فرسانهم ، وحينها ، عزم الإمام المؤيد بالله (ع) الخروج إلى بلاد (هوسم) ، وأميرها إذ ذاك شوزيل بن وشمكير ، فلما وصل (ع) إلى هوسم ، استعد للقاءه جند شوزيل يريدون حرب الإمام ، فجاوزهم (ع) ولم يشتبك معهم ، متجها إلى قرية (كذكاهان) ، ونزل في دار أحدهم ، فلما جاء الغد ، دخل عليه ، حوى الدلمي مع زهاء سبعمائة رجل ، فبايعوه ، وقوي جانب الإمام ، وانتقل (ع) بمن معه إلى قرية (كذة) وأقام بها حدود سبعة أيام ، وكان يشدد على أصحابه أن يأخذوا شيئا ( ثمر أو غيره ) من الناس دون إذنهم ، وكان (ع) يجعل بارعا في سياسة الحروب ، فكان يجعل من يتقدمه من أتباعه حتى يأتيهم بأخبار الطريق أمامهم ، وهنا لما قوي جانب الإمام (ع) ، تقدم نحو هوسم محملا بعزيمة تطهيرها من الخنا والفسوق والفجور ، وركز راية جده رسول الله (ص) فيها ، وأن يحكم فيها بحكم ثقل الله الأصغر ( أهل البيت (ع) ) ، الملازمون للثقل الأكبر ( القرآن الكريم) والغير منفكون عنه مادامت السماوات والأرض . فاستعده له شوزيل ومن معه ، ودارت رحا الحرب ، واستبسل المؤيد بالله (ع) ومن معه حتى فتح الله على يديه بلاد هوسم ، فحكم فيها بالكتاب والسنة ، وانهملت بركات محمد وآل محمد على هذه البلاد ، شاع العدل والأمن ، واستبشر الناس به . وكان شوزيل فر إلى بلاد جيلان ، وكان يتأهب هناك للعودة إلى هوسم ، وفعلا عاد بعد سنة إليها بجيش كبير جرار ، وحارب المؤيد بالله (ع) بباب هوسم ، واستبسل شيعة المؤيد وأتباعه ، ممن كانوا لا يرون التولي يوم الزحف ، وترك إمامهم ، إلا أن الدائرة كانت لشيزويل ، وأخذ المؤيد بالله أسيرا ، وأخذ إلى جيلان في قرية تسمى (كحلوم) وبها سجن ، وبقي في سجنه أياما ، والمسلمون مجتمعون على الوالي أن يطلقه ، وهو يأبى عليهم ، ويقول : إنه - يعني المؤيد بالله - قتل خازني وضاع بسببه خمسة وعشرون ألف درهم ، فيا سبحان الله هذا همه الإصلاح ، وذاك همه جمع المال ، فلما سمع ذانكين التجني بهذا ، أتى إلى الوالي وضمن هذا المال عن المؤيد بالله ، فأطلق المؤيد (ع) بعد أيام من حبسه .
ثم عاد المؤيد بالله (ع) إلى (برفجان) ، ونفسه مكسورة ، والعزم على التأسي بعزم آباءه ما زال يملأه ويغطيه ، فما لبث (ع) في هذه البلاد ، حتى أتته رسل كبار الجيل والديلم يقولون له : إن وردت علينا بذلنا أموالنا ، ونفوسنا لأجلك . فاستجاب (ع) ، عند توفر الناصر والمعين ، وتسارع الناس في تلك البلاد على بيعته ولم يتخلف عنه أحد ، إلا رجل يسمى (باكر) ومعه نحو عشرة أشخاص ، فعاد (ع) لاستعادة هوسم من شوزيل ، الذي كان حينها في طبرستان ، وأمر عليها في غيباه رجل يقال له أبو زيد ، فلما علم أبو زيد هذا بقدوم الؤيد بالله في جيش كبير ( بلغ سبعة ألاف رجل ) ، ترك هوسم ، وانزى إلى موضع يقال له (كلوا) ، فتبعه المؤيد بالله (ع) وحاربه وهزمه هناك ، ولم يظفر بشخص أبو زيد ، فعاد المؤيد (ع) إلى هوسم وأقام بها سنتين ، حافلة بالأمر والمعروف والنهي عن المنكر ، وتعليم الناس أمور دينهم ، من حلال وحرام ، ومعاملات وعبادات ، وولاء لأهل البيت (ع) أبناء الحسن والحسين ثقل الله الأصغر في الأرض ، وعاد أبو زيد الأمير إلى المؤيد بالله وأظهر التوبة والنسك ، وباطنه الانقلاب ، وكان يسعى جاهدا لنخر بطانة المؤيد بالله ، حتى تمكن وأطاح بالمؤيد ، فخرج منها (ع) ، وعاودها (ع) ، وعاود أبو زيد مرة أخرى ، وكان الخذلان من الناسل دعوته ، وميلهم إلى الدنيا ، قد آلمته ، وذلك لخذلان أصحابه القدامى من أهل جيلان بعد العهود الموثقة ، وعبر عن هذا (ع) قائلا :
فررت من العداة إلى العدة ***** وكنت عددتهم زمر الثقات
لقد خابت ظنوني عند قوم ****** يرون حاسني من سيئاتي
يهيجون الغواة علي هيجا ****** وهم شر لدي من الغواة
وكذا كانت حياة الإمام (ع) ، جهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر ، ولولا أن هذا مقام اختصار ، لطولنا ، ولكنا نحيل إلى كتاب سيرته ففيها الكفاية بإذن الله تعالى .
علمه (ع) :
كان (ع) عارفا باللغة والنحو ، متمكنا من التصرف في منثورها ومنظومها ، وكان يعرف العروض والقوافي ، ونقد الشعر ، وكان فقيها بارعا ، متقدما فيه مناظرا ، وكان متقدما في علم الكلام وأصول الفقه . وهنا نذكر نماذج عن سعة علمه وفضله (ع) .
نماذج في سعة علمه وفضله (ع) :
* قال صاحب سيرته : حكى الشيخ أبو طالب بن أبي شجاع ، عن الشيخ أبي رشيد أنه قال : لم أر السيد أبا الحسين منقطعا قط ( في المناظرات ) ، مع طول مشاهدتي له في مجلس الصاحب ( ابن عباد ) ، وكان لا يغلب إن لم يغلب .
* قال صاحب سيرته : حكي أن الصاحب ( ابن عباد ) قال ذات ليلة للحاضرين ، ليذكر كل واحد منكم أمنيته ، فذكروا ، قال : أما أمنيتي فمجاورة الشريف أبي الحسين بن هارون .
* قال صاحب سيرته : وحكي أن يهوديا متقدما في المناظرة والمجادلة ، قدم على الصاحب ( ابن عباد ) ، فاتفق أنه (ع) حضر مجلس الصاحب ، فكلم اليهودي في النبوات حتى أعجزه وأفحمه ، فلما قام من المجلس ليخرج ، قال له الصاحب : أيها السيد ، أشهد أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب .
* قال صاحب سيرته : وحكي أنه ورد عليه من (كلار) مسائل صعبة على أصول الهادي ( إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ) ، وهذه المسائل موجودة ، فقال الصاحب ( ابن عباد ) : لست أعجب من هذا الشريف كيف أتى بهذا السحر ( وذلك عندما أجاب على المسائل ) ، وإنما أتعجب من رجل بكلار كيف اهتدى إلى مثل هذه الأسئلة .
*قال صاحب سيرته : سمعت الشيخ أبا الفضل بن شروين رحمه الله يقول : دع إمام زماننا ( يعني المؤيد بالله ) إنما الشك في المتقدمين من أهل البيت وغيرهم ، هل كانوا مثل هذا السيد في التحقيق في العلوم كلها أم لا ؟!!
قلت : ولله قائل هذه العبارات ، ما أعظم وقعها على النفس ؟
* قال صاحب سيرته : وسمعت ثقة ، ( يقول ) أن المؤيد باالله حكم بقتل رجل ، وسلمه إلى أولياء الدم ، فلما هموا بقتله ، اغرورقت عيناه ، وجاد بالدموع ، فقال أولياء الدم : ألسنا نقتله بحكم الله وحكمك ؟ ، فقال : بلى ، ولكن قلبي يحزن عليه من غير اختياري ، فعند ذلك عفا عنه أوياء الدم ، وتاب الرجل ، وحسنت توبته ، وجاهد بين يديه جهادا كبيرا .
تراث المؤيد بالله (ع) الفكري المجيد :
1- كتاب النبوات .
2- كتاب التجريد ( في فقه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وجده نجم آل الرسول القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ( 245-298ه) .
ويمكن تحميله من خلال الرابط :
http://hamidaddin.net/ebooks/Altajreed.chm
3- شرح كتاب التجريد ( 4 مجلدات ) ، ( على قول الهادي وجده القاسم الرسي ) .
4- كتاب البلغة ( في الفقه ، وهو على مذهب الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع) ) .
5- كتاب نقض الإمامة على ابن قبة الإمامي . ( نقض فيه مذهب الجعفرية في الإمامة ) .
6- كتاب التفريعات .
7- كتاب التبصرة ( في التوحيد والعدل ) .
8- كتاب الهوسميات .
9- كتاب الزيادات .
10- الأمالي الصغرى ( مصنف حديثي ) .
11- سياسة المريدين .
12- الآداب في علم الكلام .
وفاته (ع) :
توفي الإمام المؤيد بالله عليه السلام يوم عرفة سنة إحدى عشرة وأربعمائة ( 411ه ) ، ودفن يوم الأضحى، وصلى عليه الإمام مانكديم ( هو الإمام المستظهر بالله أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو القائم بعد المؤيد بالله (ع) ) ، مشهده ب(لنجا) ، وأديمت الختمات ( قراءة القرآن ) على قبره شهر ، وبني عليه مشهدا ، وخلف (ع) من الأولاد الأمير أبا القاسم وحده رضي الله عنه وأرضاه .
خريطة ملحقة ، يظهر عليها المدن والقرى التي تنقل منها وإليها المؤيد بالله (ع) :
http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=3010
صفحہ 49