فأين ذلك من أفعال المسلمين.
فأقسم عليك بمن سلطك على طائفة من عباده، ومكنك من كثير من بلاده، أن تخلي نفسك من حب الانفراد، الباعث على الامتياز بين العباد، وتحذر من قولهم. (لكل جديد لذة)، و (خالف تعرف). كما أني أحذر نفسي، وأصحابي من حب اتباع الآباء والأجداد، وإرادة الدخول في الجماعة، وكراهة الإنفراد.
وأما ما صدر من أهل الإسلام، فإنما هو عن أمر زعموه، فأن كان حقا أثيبوا، أو كان خطأ فكذلك.
فأين حال المسلمين من حال من جعل الآلهة ثلاثة، أو اثنين، واتخذ الملائكة أربابا، واتخذ بعض المخلوقين أندادا وشركاء، يعبدون من دون الله أو مع الله، إما لأهليتهم، أو لترتب التقرب إلى الله زلفى من دون أمر الله لهم بذلك، قال تعالى:
(ما أنزل الله بها من سلطان) (1).
وروي أن (قريشا) كانوا يعبدون الأصنام، ويقولون: ليقربونا إلى الله، ولا طاقة لنا على عبادة الله. وسيجئ في بعض المقامات الآتية ما يكشف عن حقيقة ذلك.
وإن أردت تمام الكلام في هذا المقام، فأنظر بعين البصيرة إلى ما نحاول في هذا المقام تحريره.
إعلم أن الألفاظ اللغوية والعرفية العامة، قد تبقى على حالها من المعاني القديمة، فتلك لا تحتاج إلى بيان، سواء وردت في السنة أو القرآن.
وأما إذا نقلت عن المعاني الأولية إلى غيرها، أو استعملت في المعاني الثانوية على وجه المجازية، فهي من المجمل المحتاج إلى البيان، كلفظ الصلاة والصيام والحج، فأنه لو لم يبينها الشرع لبقيت على إجمالها، حيث لا يراد منها مطلق الدعاء والامساك والقصد، بل معنى جديد، تتوقف معرفته على بيان وتحديد.
ومن هذا القبيل ما نحن فيه من لفظ العبادة والدعاء ونحوهما، فأنه لا يراد بهما في لحوق الشرك بهما المعنى القديم، وإلا للزم كفر الناس من يوم آدم إلى يومنا هذا.
لأن العبادة بمعنى الطاعة، والدعاء بمعنى النداء والاستغاثة للمخلوق لا يخلو منها أحد.
ومن أطوع من العبد لسيده، والزوجة لزوجها، والرعية لملوكها، ولا زالوا ينادونهم،
صفحہ 543