يقول إن الشافعي قد عكف على كتابة الأم، وألفه في هذا الوضع النهائي لا لشيء إلا لأن في أوائل الكلام: «حدثنا الربيع» وفي خلاله: «قال الربيع»!!
ولو قد قرأ الدكتور كتاب الأم حقا لألفى في أطوائه كثيرًا من الأدلة على أنه له ومن وضعه، ولمنعته تلك الأدلة من تقليد الدكتور زكي مبارك، الذي تلقف كلمة الغزالي التي نقلها - دون تعقل أو إدراك - عن أبي طالب المكي، ذلك الصوفي السالمي الذي شطح ونطح وأخرج تلك الكلمة الخبيثة الخاملة التي قالها عن خمول البويطي وتأليفه للأم ومنحه للربيع الذي سارع إلى نسبته له دون أن يردعه عن ذلك الفعل الشائن رادع من حياء أو زاجر من ورع.
وحاشا للربيع الثقة الأمين، ذي الدين الثخين والورع المكين - أن يقدم على ارتكاب تلك الحماقة التي تلوث شرفه، وتسمه بمسيم الضعة والهوان.
ومن الجدير بالذكر أن قول أبي طالب المكي وقول الغزالي - إن صح تسميته قولا - قد ظل رهين كتابيهما، لم ينقله أحد ولم يعرض له عالم بتقريظ أو توهين إلى أن جاء الدكتور زكي مبارك فنفخ فيه من تمويهه وتلبيسه حتى غرّ به أقوامًا فتبعوه وتقلدوه وفي مقدمتهم الدكتور أحمد أمين والمستشرق بروكلمان.
وكان من قدر الله لإظهار الحق المبين في هذه المسألة: أن البيهقي قد نقل في مناقب الشافعي عن الربيع أنه قال: إن الشافعي قد ألف بمصر كتاب الأم في ألفي ورقة: وهو قول عظيم يلقف ما صنع المنكرون، ويدحض اقوالهم ويمحق باطلهم الذي جاؤا به من عند أنفسهم بغيا بغير الحق، أو تقليدًا دون حجة قاطعة، أو برهان ناهض.
المقدمة / 40