ثم أخذ الحكام يضربون الضرائب الفادحة على الشعب ويحصلونها منهم بالقوة والعنف، والشعب مضطر إلى دفعها وتأديتها بصفة أنها لازمة للإنفاق على مصالح البلاد، ولكن أكثرها - إن لم نقل كلها - تتسرب إلى خزائن الحكام الذين ينفقونها على شهواتهم وملذاتهم، وكثيرون منهم يكونون من أصل منحط دنيء، ولكنه لا تمضي عليهم أعوام معدودة حتى يصبحوا من أصحاب الثروة الواسعة والأراضي الشاسعة. ثم رأيتهم يقتنون الجواهر الكريمة ويدخرون الحجارة الثمينة، وكانوا في بدء أمرهم فقراء لا يملكون شروى نقير ولا أردبا من الشعير.
ومن النجاح الباهر الذي صادفته طريقتنا هذه أن الأمم المسيحية لم تقتصر على نهب رعاياها وسومهم صنوف المظالم وأنواع المغارم، بل جعل المسيحيون يمدون رواق سلطتهم على الأمم الأخرى التي لا تدين بدينهم، وأخذوا يبتزون أموالهم، ويضيقون عليهم ويقيدونهم بقيود الاستعباد، وهم يدعون أنهم يفعلون ذلك باسم المسيحية، ويبررون أفعالهم بأن ديانتهم هذه تقضي عليهم بنشرها في مشارق الأرض ومغاربها، ولكنهم في الحقيقة ونفس الواقع مختلقون لتلك الأسباب الواهنة المخالفة لتعليم المسيح وروح الديانة المسيحية، وتطاولت أيديهم في السلب والنهب من أوروبا وأميركا إلى مجاهل أفريقيا وفيافي آسيا، حتى لم يدعوا أمة ضعيفة كانت أو قوية إلا واستحلوا أموالها واستباحوا ظلمها واستعبادها.
ولقد زاد نهب الممالك في هذه الأيام بسبب القروض العامة والدولية زيادة تذكر، حتى إنه لم يقتصر على نهب الأحياء بل تطاول إلى نهب الأبناء وأبناء الأبناء في المستقبل.
وإنني أيها الرئيس الأعظم لا أزيد في الإيضاح بأن طريقتنا هذه حصينة البنيان متينة الأركان، بسبب ما أدخلناه من الاعتقاد على الناس بأن حاكمهم شخص مقدس، وذلك يجعلهم يخضعون لجميع أوامره ونواهيه، ويرضون بطرق النهب التي ينهب بها أموالهم، ولا يفتكرون بمقاومته والخروج عن طاعته، ويكفي للسلاب الأعظم والنهاب الأكبر أن يدهن رأسه بالزيت، وهو بعد ذلك في حل مما يفعل، وحر بنهب من يريد وقدر ما يريد.
وقد عملت مرة تجربة في روسيا بأن أقمت على عرش مملكتها عدة من النساء الواحدة بعد الأخرى، وكن على جانب عظيم من الجهل والحماقة، وعدم معرفة القراءة والكتابة، وفوق ذلك كن من المفسودات الأخلاق، المبيحات الأعراض، ولم يكن لهن أدنى حق - بموجب نظامات المملكة - يخولهن ارتقاء العرش، ولم تكن الأخيرة منهن فاجرة فقط بل مجرمة قاتلة؛ لأنها قتلت زوجها وولي عهدها الشرعي. وبما أنها كانت ممسوحة بالزيت خضع لها الناس، ولم يفقئوا لها عينيها ويقطعوا أنفها ويجلدوها بالسياط كما يفعلون ذلك مع المجرمين وسفاكي الدماء لم يفعلوا شيئا من ذلك، بل خضعوا لها خضوع العبيد الأرقاء مدة ثلاثين عاما، وأباحوا لها ولأخلائها والواقعين في هواها أن ينهبوا كل ما يملكون من مال وعقار وحرية شخصية، وقد زادت في عهدها المظالم والمغارم إلى درجة قصوى.
ومما تقدم يظهر لك أيها الرئيس الأعظم أن النهب أصبح علنيا عموميا، ولم يقتصر على ما في الجيوب والأكياس والخزائن، بل تعداه إلى نهب الخيل والثيران والأنعام والملابس، وصار أصحاب السلطة يجيزون لأنفسهم هذه الأمور تحت شكل منظم قانوني مشروع، وقد تعدى النهب من الملوك إلى الناس بوجه الإجمال، حتى أصبح من مستلزمات الحياة الجوهرية التي لا غنى للناس عنها، وأصبحت بعد ذلك حياة الناس وقواهم الجسدية موجهة فقط إلى النهب والسلب بطرق عديدة دونها طرق اللصوص الذين لا ينهبون إلا مدفوعين بدافع الجوع والحاجة. ولم يقف النهب عند ذلك الحد، بل إن زعماء النهابين الممسوحين جعلوا يزاحمون بعضهم بعضا في السلب، وحمى بينهم وطيس المسابقة في هذا الطريق، حتى إنهم يلجئون أحيانا إلى إشهار الحروب ويدفعون إليها أبناء رعاياهم؛ فيتلاحمون ويتطاحنون ويستشهدون على مذبح مطامع الممسوحين وأغراضهم الشخصية.
8
فقال بعلزبول: إن هذا النجاح باهر، وإني أثني عليك وافر الثناء. ثم التفت إلى الشياطين وقال سائلا: أيكم شيطان قتل النفوس؟ فليتقدم إلي ذلك.
فصاح واحد: أنا هو. وخرج من بين الشياطين شيطان ذو وجه شديد الحمرة كالدم، ونابين طويلين تدليا من فمه، وقرنين رفيعين، وذنب مرفوع إلى فوق ثابت لا يتحرك.
فسأله بعلزبول: كيف تقود إلى ارتكاب القتل تابعي ذلك الذي قال: «لا تقاوم الشر بالشر وحب أعداءك»؟
نامعلوم صفحہ