67

ملک غیر متوج

ملك غير متوج

اصناف

حضر إلي في الصباح الكونت فريزن ومكث لدي أكثر من ساعة، وقد تركني في حالة من الدهشة لا يمكن وصفها! لقد جاء ليخبرني بالحقيقة، وكل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة. ولقد كنت أستمع إلى ما يقول وكأنما أنا أسمع قصة من نسيج الخيال، إن الرجل الذي رأيته في ذلك المساء العظيم في فلا إليزابث لم يكن ملك فرنسا، ولكنه كان سيرل برتراند ابن السيدة من زوجها الإنجليزي !

وفي المساء أعلن جلالة ملك فرنسا تنازله عن حقوقه الحاضرة والمستقبلة لعمه الدوق دي بوردو، وبذلك أصبح اسمه هنري الخامس ملك فرنسا.

ذهبت إلى فلا ماري تريزا حيث يقطن البارون كريستوف، ولكم كانت دهشتي عظيمة لدى رؤيتي الآنسة كريستوف، لقد كانت جالسة فوق الأرض أمام والدها إلى جانب النار، وكان قد أخبرها بحقيقة الموضوع كله، فعندما أعلن الخادم قدومي ودخلت الغرفة، كانت لا تزال جالسة أمام النار ممسكة يد والدها. وقام البارون كريستوف لمقابلتي، وقامت هي بنشاط عجيب ثم قدمت تحية لطيفة وسحبت لي كرسيا مريحا قريبا من النار، وجلسنا جميعا وقد اتخذت فيرونيك لنفسها مجلسا على الأرض إلى جانب والدها، ولقد افتر ثغرها عن ابتسامة رقيقة لطيفة، وبانت في عينيها الزرقاوين لمعة نشاط ومرح أكثر منها لمعة أسى أو حزن. وبدأت أتحدث إلى والدها أكثر من حديثي لها، مؤملا أن أجد الكلمات المناسبة في هذا الموقف المزعج، ولكن فيرونيك نفسها أسرعت مؤكدة فقالت لي برزانة: إنني أعلم ماذا تريد نيافتك أن تقوله لي، ولكن ليس من الضروري أن تقوله لأني لا أريد أن أعزى أو أن يشفق أحد علي طالما أحس بأني غير تعسة.

فقلت: إني أحمد الله لأنك يا طفلتي صغيرة السن، كما أن جرح قلبك لم يكن بالدرجة من العمق التي كنت أتصورها، وعلى كل فإن الزمن سوف يساعدك.

فقاطعتني فيرونيك بهدوء وباعتقاد ثابت وقالت: إن المسألة لا تتعلق بالزمن في شيء، إذ لا يحتمل أن يغير الزمن شيئا من حياتي، بل ولست أرغب في أن يتغير فيها شيء، إنني لست تعسة، ولن أكون تسعة، أرأيت؟

وكانت عيناها تشعان بضوء عجيب، فأتمت قائلة: لم يسئ أحد إلي في الحقيقة، وإن مليكي لم يؤذني في شيء، إن مليكي يحبني، وهو لم يخطئ في حقي.

ولم أجد جوابا لتلك السذاجة أو لذلك الاعتقاد العجيب في القدر! وأخيرا استأذنت في الخروج، وكان أكثرنا انشراحا تلك الفتاة الطفلة، حتى إنها عندما سلمت علي ضغطت في لطف على يدي وهي تقول في إيمان صادق: إن مليكي لا يمكن أن يخطئ.

جيموند في 13 سبتمبر سنة 1862

لقد مرت سنتان منذ تلك الليلة العظيمة وما تلاها مباشرة من حوادث، إن الوقت ليمر بسرعة عندما يكبر الإنسان ويطعن في السن؛ فقد وقعت حوادث عدة في تلك المدة، لم أجد في نفسي الهمة للمبادرة بتسجيلها في يومياتي بالتفصيل، وها أنا أجمل ما مر من الحوادث:

أرسلني جلالة الإمبراطور فرنسوا ووزيف إلى باريس في مهمة خاصة، وكان يتعلق بنجاح هذه المهمة مستقبل الحياة الدينية لأصدقائنا في فرنسا. ولقد قضيت في جيموند بضعة أيام في الصلاة والقيام بواجبات التقديس، استعدادا لمهمتي الصعبة. وكانت أخبار أشخاص المأساة السابقة قد انقطعت عني منذ سنتين؛ فلقد جاء البارون كريستوف وحده إلي ليراني بينما كنت في فينا، ولقد أسعدني أن أسمع منه أن فيرونيك لم تفقد شيئا من عقيدتها، وأنه كان قد أخذها في رحلة مشوقة جميلة إلى مصر إبان الخريف التالي للمأساة، وبعد ذلك أخذها إلى قصره الخاص في بوهيميا، وكانت حالتها طيبة جدا طوال هذا الوقت، كانت مرحة وسعيدة لدرجة أن البارون قرر أن يعود إلى باريس حيث يحيا حياته العادية. ولقد لاحظت أن البارون كان في حديثه عن فيرونيك تظهر عليه الحيرة كما لو كان هناك شيء لا يفهمه عنها!

نامعلوم صفحہ