وفي المساء المعهود لمطعم الملوك الثلاثة، ذهب سيرل إلى المطعم وكان الوقت لا يزال مبكرا، فلم يكن المكان قد امتلأ بزبائنه بعد، واتخذ لنفسه منضدة في أحد الأركان، وقد لاحظ وجود ثلاثة أشخاص على منضدة مقابلة له، وكان يعرف هؤلاء ولكن العادة في مونتمارتر كانت تقضي بألا يحيي الشخص معارفه بأكثر من إحناء رأسه إذا كان لا يريد أن يشاركهم مجلسهم. وكان يجلس قريبا من هؤلاء اثنان من الغرباء، وكانا شابين إنجليزيين يظهر عليهما أنهما طالبان يدرسا الفنون، وأنصت سيرل إلى حديثهما، وكان يحب نغمة اللغة الإنجليزية، والواقع أنه كان يحب كل شيء إنجليزي، ولقد حاول من قبل أن يتعلم هذه اللغة من الكتب وجاهد كثيرا ليتعلمها، ثم اتصل ببعض أصدقائه من الإنجليز لكي يتمرن على التحدث بها.
وتكلم الاثنان عن أشياء كثيرة؛ عن الصور والكتب والحياة في لندن، وعن إحدى القضايا التي شغلت أعمدة صحيفة التيمس، وقد ذكرت عنها بضع تفاصيل مثيرة للإحساس منذ بضعة أيام. وبان من الحديث أن أحد هؤلاء قد درس القانون وأنه يشتغل بفن المحاماة. ولقد كانت يد القدر الخفية توجه سيرل نحو الطريق المرسوم، فإن ذلك الشاب عندما تكلم عن تلك القضية ذكر اسم وكيل دعاوى كان يعمل لحساب أحد الخصمين في القضية، ولم يذكر اسمه بل كل ما ذكره هو عنوانه فندق لينكولن فيلدز، واستقرت في ذهنه هذه الكلمات الثلاثة، حتى إنه عندما عاد إلى الاستديو عاوده ذكر هذا العنوان مرة أخرى، وتذكر معه وكلاء الدعاوى اللندنيين الذين كانوا قد أرسلوا البرقية إليه، وبحث في درج المكتب عنها إذ كان قد وضعها فيه قبل أن يسافر مع الكونت فريزن إلى قلعة دايك، ووجد البرقية حيث تركها وعاود قراءتها:
أخبرك بموت اللورد لونجفيل المفاجئ على أثر حادث في الصيد. وأنت من يليه مباشرة من بين أفراد الأسرة. فالمرجو حضورك بأسرع ما يمكن. كاربن وهوستن، وكلاء دعاوى. فندق لينكولن فيلدز، لندن.
ماذا يقول؟ حسنا! ولم لا؟! إن لندن بعيدة جدا عن بادن بادن، ومن السهل عليه أن ينسى كل شيء هناك، فسوف يقابل أناسا لم يكونوا قد سمعوا عن ملك فرنسا غير المتوج، ولا عن ابنة المليونير التي يأكل الأسى واليأس والخجل قلبها ... لندن؟! ولم لا؟! إنه سيلقب باللورد لونجفيل بدلا من سيرل برتراند، وعلى كل فإنه سوف يعمل شيئا ما على أي وجه كان، ليساعد نفسه على النسيان.
وعلى هذا حزم سيرل حقيبة سفره، وكان في اليوم التالي يعبر البحر إلى إنجلترا. •••
فيما يلي مذكرات مستخرجة من يوميات نيافة الكاردينال بنفنتي:
26 سبتمبر سنة 1860
بعد مرور ست وثلاثين ساعة من وقت توقيع عقد الزواج، تسلم البارون كريستوف إخطارا معجلا من الكونت فريزن يطلب منه فيه المبادرة بإيقاف صرف الشيك المكتوب باسم جلالة ملك فرنسا، حيث إن جلالته لن يستطيع أن يستعمل هذا المبلغ في تحقيق الغرض الذي يرمي إليه البارون، والذي اشترطه عند كتابة العقد، إذ إن جلالته قد تزوج بعقد قانوني صحيح الآنسة ألين سان أماند. ولقد أسرع البارون بإعلامي بهذا الإخطار بعد وصوله، حتى يمكننا أن نتدبر الأمر ونعلم الآنسة كريستوف بالخبر على أسهل وأبسط صورة ممكنة.
وفي وقت متأخر من النهار، ذهبت لرؤية السيدة البرنسيس دي بوربون الأم التعسة للولد التعس. وعند وصولي إلى فلا إليزابث سمعت أن السيدة مريضة جدا، وأن عندها طبيبين يقومان على معالجتها، ولما سألت إحدى الممرضات اللواتي كن يقمن بالسهر عليها والعناية بها، قالت لي: إن السيدة الجليلة أصيبت بنوبة قلبية ألزمتها الفراش.
27 سبتمبر
نامعلوم صفحہ