[توحيد الله]
إن الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا كفؤ له موجود، ولا والد ولا مولود، تعالى من أن يتخونه أبد، أو يقع عليه عدد، فطر الأرض والسماء، وابتدع الأشياء، وأنشأ المخلوقين إنشآء، بلا معين يشاركه في التدبير، ولا ظهير يؤازره على ما أبرم من الأمور، ولم يمسسه في ذلك كلال، ولم يتخرمه نصب ولا زوال، ولم تتوهقه عن محكم الصنعة العوائق، ولم يشتبه عليه ما أتقنه علمه السابق، بل نفذ بمشيئته ما أبرم، ومضى في خليقته ما علم، بلا اختلاج اشتبهت عليه فيه الآراء، ولا توهم تفاوتت عليه فيه الأشياء، فتعالى عما يقول فيه الظالمون، وعز وتقدس مما يتفوه به العادلون، جعل الأنام شعوبا وقبائل متعارفين، وفيما تنازعهم إليه الأنفس غير مؤتلفين، مختلفة هممهم، لا يشتبه تصرفهم، وكل يعمل على شاكلته، ويسلك سبيل طبقته.
والعقول حظوظ متقسمة، والأخلاق غرائز مستحكمة، فالحازم مغتبط بما ألهم، جذل بما قسم، والمفرط متأس على ما حرم، يقرع سنه من الندم، فإن قهر نفسه على تعوض ما فرط، أورده صغر الهمم في أعظم الورط، وإن تمادى في التقصير، دحض دحضة الحسير.
وإني لما زايلت قلة الآثام، وخضت في أفانين الكلام، وناسمت كثيرا من علماء الأنام، أطللت على مكنون من العلم جسيم، واستدللت على نبأ من ضمائر القلوب عظيم، لأن صحيح الجهر، يدل على كثير من مكنون السر.
صفحہ 183