غلام رديفه على الدابة: " ... ومتى حصل هذا التعرف الخاص للعبد، حصل للعبد معرفة خاصة بربه توجب له الأنس به والحياء منه".
وهذه معرفة خاصة، غير معرفة المؤمنين العامة.
ومدار العارفين كلهم على هذه المعرفة، وهذا التعرف، وإشاراتهم تومئ إلى هذا.
سمع أبو سليمان -هو عبد الرحمن الداراني (٢١٥) هـ- رجلًا يقول: سهرت البارحة في ذكر النساء فقال: ويحك! أما تستحي منه يراك ساهرًا في ذكر غيره؟ ولكن كيف تستحي مما لا تعرف؟! " أ. هـ (١).
وقال أيضًا في كتابه " استنشاق نسيم الأنس " في مقدمته: "الحمد لله الذي فتح قلوب أحبائه من فج محبته، وشرح صدور أوليائه بنور معرفته، فأشرق عليهم النور ولاح، أحياهم بين رجائه وخشيته، وغذاهم بولايته ومحبته، فلا عما هم فيه من السرور والأفراح، فسبحان من ذكره قوت القلوب وقرة العيون وسرور النفوس، وروح الحياة، وحياة الأرواح .. " (٢).
هذا المنهج يقارب في الحقيقة منهج ابن القيم ﵀ في بعض مصنفاته كالفوائد، والجواب الكافي، وحادي الأرواح، وروضة المحبين في مواضع فيه. ومن هذا وغيره (٣) أستطيع القول إن تصوف الحافظ ابن رجب -إن صحت تسميته كذلك- من التصوف المعتدل، والزهد المقبول عند السلف الصالح، وهو الخلي عن البدع والشطحات أو الانحرافات في الأقوال والأعمال.
_________
(١) من كتابة نور الاقتباس من مشكاة وصية النبي ﷺ لابن عباس ص ٢٤.
(٢) من كتابه استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس (مخطوط) ص ٨٤.
(٣) النماذج على ذلك كثيرة مبثوثة في كتبه: جامع العلوم والحكم، ولطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. والتخويف من النار ص ٨ وشرح حديث عمار بن ياسر ٤٣ - ٤٧، ونور الاقتباس ٤٢، ٤٥، ٧٨ واختيار الأولى ١١٥، ١٢١، وسيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ص ٣ وما بعدها، وكشف الكربة ٢٨، ٢٩، والمحجة ص ٧٨ وما بعدها وفي أواخر رسائله عامة فإنها لا تخلو من تلك الإِشارات اللطيفة.
مقدمة جـ 1 / 28