إلا أن قوما لما لم يكن عندهم ما تنقضون به هذا الرأي سلموا ذلك وظنوا أنهم إن قالوا إن السماء غير متحركة وإن الأرض متحركة علي محور واحد من المغرب إلي المشرق وتدور في كل يوم دورة واحدة علي التقريب؛ أو أن السماء والأرض (¬40) متحركتان علي محور واحد كما ذكرنا /T45/ وبقدر ما يلحق إحداهما الأخري لم يكن شيء ينقض ذلك. وكان قولهم في ظنهم مقنعا وذهب عليهم أن من قبل ما يظهر من النجوم فليس يمتنع أن يكون ذلك كما ذكروا علي التوهم المطلق، فأما من قبل ما يعرض فينا وفي الهواء فيستبين أن قولهم أعظم ما يكون من الجهل. وإن نحن سلمنا لهم ما هو خلاف للطبيعة أن تكون الخفيفة اللطيفة المتشابهة الأجزاء إما أن لا تتحرك ألبتة وإما أن تكون حركتها غير مخالفة لحركة ما يضادها في الطبيعة علي أنا قد نري عيانا أن الهواء وأشياء آخر أقل لطفا منه أسرع تحركا مما هو أرضي؛ /H25/ وسلمنا لهم أيضا أن تكون للثقيلة الغليظة المختلفة الأجزاء حركة خاصية سريعة متساوية علي أنا قد نري أن الأشياء الأرضية عسرة القبول لتحريك غيرها لها. فهم مقرون أن حركة الأرض أسرع من كل الحركات اللواتي حولها بعودتها إلي موضعها في مثل هذا الوقت اليسير؛ ولو كان الأمر كذلك لكان جميع ما ليس مستقرا عليها يحس أبدا متحركا بخلاف حركة الأرض. ولم يكن نري حركة للسحاب إلي المشرق أبدا ولا لشيء من الطير ولا لشيء مما يرمي به لسبق الأرض لكل شيء أبدا A لسرعة حركتها إلي المشرق، وكان يظن أن كل ما سواها يتحرك أبدا إلي نواحي المغرب. فإنهم وإن قالوا إن هذا الهواء أيضا يتحرك مع الأرض بحركة مساوية لحركتها في السرعة، فإنه قد يجب أن تري أبدا حركة الأجرام التي فيه أنقص من حركتها جميعا؛ فإن قالوا إن تلك (¬41) لاصقة في الهواء كالملتحمة تتحرك معه فقد يلزمها ألا تري قدمة ولا متأخرة: بل تكون ثابتة أبدا ولا يكون لها انتقال ولا تردد لا في ممر ما يمر منها ولا في طيران ما يطير ولا في ذهاب ما يرمي به منها. /H26/ وقد نري كل ذلك عيانا وأنه ليس يلزم ألبتة شيئا منها سرعة ولا أبطأ من قبل تحرك الأرض. فقد يكتفي بما قلنا في الأصول التي تتقدم باضطرار الأشياء الجزئية التي توضع في هذا العلم والأشياء التي تتبعها علي مذهب الإيجاز والاختصار وستثبت وتضح علي الكمال الشهادة (¬42) موافقة ما (¬43) نثبته فيما بعد مما هو مبني عليها لما يظهر. (¬44)
<I.8> @NUM@ ح : في أن أصناف الحركات الأول اللواتي في السماء اثنتان
ومع ما (¬45) ذكرنا فقد ينبغي أن يكون من جمل ما نقدم أيضا أن الحركات الأول التي في السماء اثنتان. إحداهما التي تحرك الكل أبدا من المشرق إلي المغرب بحال واحدة وأدوار متساوية السرعة وعلي دوائر مواز بعضها لبعض مدارها علي قطبي الكرة التي تدير الكل باستواء. ويسمي أعظم هذه الدوائر معدل النهار لأن دائرة الأفق إذ هي من الدوائر العظام تقسم أبدا هذه الدائرة من بينها بنصفين، فإذا دارت عليها الشمس اعتدل النهار والليل وتساويا عند الحس في جميع الأرض. والحركة الأخري التي تحرك /H27/ أكر النجوم الجارية إلي خلاف الحركة الأولي علي قطبين آخرين لا علي قطبيها. وإنما أثبتنا ما وصفنا لأنا إذا نظرنا إلي جميع ما في السماء في كل يوم رأيناه بالحس في اليوم الواحد يطلع ويتوسط السماء ويغرب علي مواضع متشابهة في الصورة موازية لمعدل النهار، وهذه خاصة الحركة الأولي. فإذا رصدنا في الأيام المتوالية رأينا جميع الكواكب سوي الشمس والقمر والكواكب المتحيرة ثابتا (¬46) أبعاد بعضها من بعض لازمة للمواضع الخاصية بالحركة الأولي علي ظاهر الأمر، ورأينا الشمس والقمر والنجوم المتحيرة تتحرك حركات مختلفة غير مساو بعضها لبعض إلا أنها كلها بالقياس إلي حركة الكل يتحرك إلي المشرق وإلي النواحي التي تخلفها ورءآها الكواكب الثابتة أبعاد بعضها من بعض التي (¬47) كان الذي تديرها كرة واحدة.
صفحہ 5