ورأي. فجاءتها إحداهن وهي عمرطَّة بنت زرعة بن ذي خنفر فقالت قد أصبت البغية، فقالت صفيه ولا تسميه، فقالت غيث في المحل، ثمال في الأزل، مفيد مبيد، يصلح النائر، وينعش العاثر، ويغمر الندي، ويقتاد الأبي، عرضه وافر، وحسبه باهر، غض الشباب، طاهر الأثواب. قالت ومن هو؟ قالت سبرة بن عوَّال بن شدَّاد ابن الهمال. ثم خلت بالثانية فقالت أصبت من بغيتك شيئًا؟ قالت نعم، قالت صفيه ولا تسميه، قالت مصاص النسب، كريم الحسب، كامل الأدب، غزير العطايا مألوف السجايا، مقتبل الشباب، خصيب الجناب، أمره ماض، وعشيره راض. قالت ومن هو؟ قالت يعلى بن هزال ابن ذي جدن. ثم خلت بالثالثة فقالت ما عندك؟ قالت وجدته كثير الفوائد، عظيم المرافد، يعطي قبل السؤال، وينيل قبل أن يستنال، في العشيرة معظم، وفي الندي مكرم، جم الفواضل، كثير النواقل، بذال أموال، محقق آمال، كثير أعمام وأخوال. قالت ومن هو؟ قالت رواحة بن حمير بن مضحي بن ذي هلاهلة. فاختارت يعلى بن هزال فتزوجته فاحتجبت عن نسائها شهرًا ثم برزت لهن فأجزلت لهم الحباء وأعظمت لهن العطاء.
وهذا الحديث كما ترى ينادي على نفسه بأنه موضوع. أما سلسة السند التي أوردها في روايته ورواية بقية الأحاديث على اختلاف في بعض أسماء الرواة فليست غير إتباع للعرف الجاري حينئذ في رواية القصص مثل قصة عنترة المروية عن الأصمعي. لاسيما وابن دريد معروف بالوضع قال الأزهري في مقدمة كتاب التهذيب: ومن ألف في زماننا الكتب فرمي بافتعال العربية وتوليد الألفاظ وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامها أبو بكر محمد بن دريد. معجم الأدباء ج٦ ص ٤٨٦. وقال الأبهري: جلست إلى جنب ابن دريد وهو يحدث ومعه جزء فيه ما قال الأصمعي فكان يقول في واحد حدثنا الرياشي وفي آخر حدثنا أبو حاتم وفي آخر حدثنا ابن أخي الأصمعي عن الأصمعي يقول كما يجيء على قبله. تاريخ بغداد ج٢ ص ١٩٦.
والقارئ ولا شك يحس الروح التي تجمع بين هذا الحديث وبين مقامة من مقامات بديع الزمان أو الحريري لاسيما في تزويق الأسلوب وجمع المفردات والشوارد، ولئن خلت أحاديث ابن دريد من بطل واحد معين فذلك لأن فن المقامات لم يكن استكمل حدوده بعد فضلًا عن أن وجود البطل لم يطرد في كل المقامات حتى ما أنشئ منها بعد الحريري مثل
1 / 27