245

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) (8)

أصل ناس أناس ، حذفت همزته تخفيفا ، وحذفها مع لام التعريف كاللازم. ويشهد لأصله إنسان ، وأناس ، وأناسي ، وإنس. وسموا لظهورهم وأنهم يؤنسون أي يبصرون كما سمي الجن لاجتنانهم ولذلك سموا بشرا. وقيل : اشتقاقه من الأنس ضد الوحشة لأن الإنسان مدني بالطبع. والأول أظهر.

واعلم أن صفات المنافقين إنما نزلت في السور المدنية. لأن مكة لم يكن فيها نفاق ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج ، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب. وبها اليهود من أهل الكتاب وهم ثلاث قبائل : بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير وبنو قريظة حلفاء الأوس فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج ، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا ، لأنه لم يكن للمسلمين ، بعد ، شوكة تخاف ، بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة . فلما كانت وقعة بدر العظمى ، وأظهر الله كلمته ، وأعز الإسلام وأهله ، قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأسا في المدينة ، وهو من الخزرج ، وكان ابن سيد الطائفتين في الجاهلية ، وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم ، فجاءهم الخبر ، وأسلموا ، واشتغلوا عنه ، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله. فلما كانت وقعة بدر ، قال : هذا أمر قد توجه. فأظهر الدخول في الإسلام ، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب ، فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ، ومن حولها من الأعراب.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) (9)

قال القاشاني : المخادعة استعمال الخدع من الجانبين ، وهو إظهار الخير ، واستبطان الشر. ومخادعة الله مخادعة رسوله ، لقوله ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [النساء : 80]. فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة ، واستبطان

صفحہ 248