مرت طفولة الكميت بين النباهة والخمول، فلم يعرف عنها شيء ذو بال، ولعل أول ما لفت النظر إلى ذكائه ما وقع له مع الفرزدق، فقد حدثوا أنه وقف وهو صبي على الفرزدق وهو ينشد أشعاره، فراع الفرزدق حسن استماع الكميت، وأخذه الزهو والخيلاء، فلما فرغ من إنشاده أقبل على الصبي، وقال: هل أعجبك شعري يا بني؟ فأجاب الكميت: لقد طربت لشعرك طربا لم أشعر بمثله من قبل! فانتشى الفرزدق، وأخذ العجب منه كل مأخذ، وقال للصبي في نشوة المفتون: أيسرك أني أبوك؟ فقال الكميت: أما أبي فلا أريد به بدلا، ولكن يسرني أن تكون أمي! فحضر الفرزدق، وقال: ما مر بي مثلها.
وهذه النادرة مع شاعر في منزلة الفرزدق كانت كفيلة بأن تجعل لذلك الطفل شهرة بين الناس. (3)
ويأبى الرواة إلا أن يجعلوا الكميت من الأعاجيب؛ فهم لا يريدون أن يجعلوه شاعرا كسائر الشعراء، يبدأ بداية عادية، ثم يتسامى فيسمو إلى منازل الشعر الرفيع، وإنما يزعمون أنه نبغ دفعة واحدة، ويذكرون أن عمه كان رئيس قومه، وأنه قال يوما: يا كميت لم لا تقول الشعر؟ ثم أخذه فأدخله الماء، وقال: لا أخرجك منه أو تقول الشعر، فمرت به قنبرة، فأنشد متمثلا:
يا لك من قنبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
فقال له عمه ورحمه: قد قلت شعرا فاخرج! فقال الكميت: لا أخرج أو أقول لنفسي! فما رام حتى عمل قصيدته المشهورة، وهي أول شعره، ثم غدا على عمه فقال: اجمع لي العشيرة ليسمعوا، فجمعهم له فأنشد:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
1
نامعلوم صفحہ