الإهداء
فاتحة الكتاب
1 - نشأة المدائح النبوية
2 - مدح أهل البيت
3 - الكميت بن زيد الأسدي
4 - هاشميات الكميت
5 - تائية دعبل في أهل البيت
6 - قصائد الشريف الرضي في صريع كربلاء
7 - قصائد مهيار في أهل البيت
8 - بردة البوصيري
نامعلوم صفحہ
9 - عناصر البردة
10 - أثر البردة في اللغة العربية
11 - بديعية ابن حجة الحموي1
12 - مدائح ابن نباتة المصري
خاتمة الكتاب: قصة المولد النبوي
الإهداء
فاتحة الكتاب
1 - نشأة المدائح النبوية
2 - مدح أهل البيت
3 - الكميت بن زيد الأسدي
نامعلوم صفحہ
4 - هاشميات الكميت
5 - تائية دعبل في أهل البيت
6 - قصائد الشريف الرضي في صريع كربلاء
7 - قصائد مهيار في أهل البيت
8 - بردة البوصيري
9 - عناصر البردة
10 - أثر البردة في اللغة العربية
11 - بديعية ابن حجة الحموي1
12 - مدائح ابن نباتة المصري
خاتمة الكتاب: قصة المولد النبوي
نامعلوم صفحہ
المدائح النبوية في الأدب العربي
المدائح النبوية في الأدب العربي
تأليف
زكي مبارك
الإهداء
إلى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق.
أهدي هذا الكتاب، تحية لمودة غالية دامت عشرين عاما، فلم يزدها تقادم العهد إلا قوة إلى قوة، وصفاء إلى صفاء.
المخلص
زكي مبارك
مصر الجديدة في 27 رجب سنة 1354ه
نامعلوم صفحہ
25 أكتوبر سنة 1935م
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا .
فاتحة الكتاب
باسمك اللهم أفتتح هذا الكتاب، ومنك وحدك أنتظر حسن الجزاء.
أما بعد؛ فهذا كتاب لم يكن ظهوره في الحسبان، فهو في الأصل باب من كتاب قدمته إلى الجامعة المصرية عن «أثر التصوف في الأدب والأخلاق»، وألفت لدرسه لجنة مكونة من الدكتور منصور فهمي، والأستاذ مصطفى عبد الرازق، والدكتور عبد الوهاب عزام، ورأت هذه اللجنة أن الباب الخاص بالمدائح النبوية خليق بأن يظهر مستقلا عن الأصل بعض الاستقلال، وكان هذا الاقتراح فرصة تلقفتها في نشوة الجذلان؛ لأني كنت أشعر أن المدائح النبوية في الأدب العربي تستأهل الظهور في كتاب خاص.
ومن الخير أن أصارح القارئ بأن هذه الفصول نسخت نسخا من الكتاب الأصيل، فلم يحذف منها شيء، ولم يضف إليها شيء؛ لأني قدمتها إلى المطبعة في أيام كانت كلها شواغل، ولأني آثرت أن تظهر كما فاض بها القلب، فلا يفسدها تأنق، ولا يزورها تنميق.
والحق أني لا أستطيع أبدا أن أكتب البحث الواحد مرتين؛ لأني أنتزع أدبي من ثورة العقل والقلب، وقد درست نفسي مرات كثيرة؛ فرأيت السهم الأول أنفذ في جميع الأحيان، ورأيت معاودة الصقل والتهذيب ضربا من الزخرف لا تسيغه طبيعة فطرت على الثورة والاقتحام.
وإني لأعترف بأني مأخوذ بنشوة النصر وأنا أقدم هذا الكتاب إلى القراء، فما كنت أحسب أن الزمان سينصفني هذا الإنصاف؛ فأكون أول من يرسم خصائص المدائح النبوية في الأدب العربي، وهو موضوع كان يجب أن تعين رسومه وحدوده منذ أزمان.
وقد تلقيت جزائي سلفا على تحبير هذه الفصول، فلن أنسى ما حييت تلك التحيات الطيبات التي تلقيتها من الدكتور منصور فهمي، والأستاذ مصطفى عبد الرازق، والدكتور عبد الوهاب عزام، ومن قبل هذا أنست بموضوع البحث، فكان ذلك الأنس أفضل جزاء.
وأي أنس أعظم من شغل النفس بتلك الأقباس الروحانية التي بثها نبي الإسلام في أرجاء الوجود؟
نامعلوم صفحہ
إن ذلك الروح القهار، روح الرجل الذي اتهمه معاصروه بالشعر والسحر والجنون، إن ذلك الروح هو شعلة أبدية ستظل ما بقيت الأرض والسماء فتنة للعقول والقلوب، وسيأتي زمان يرتاب فيه الناس في مكانة محمد بن عبد الله من التاريخ، وسيقول قوم إن شمائل ذلك الرجل أقوى وأخطر من أن يسمح بمثلها الوجود، وسيقولون إنه لم يكن إلا رمزا تمثل به الناس كيف تكون مكارم الأخلاق.
إي والله، سيقولون ذلك، فلنسبقهم نحن بهذا القول مع الاعتراف بأنه عرف هذه الدنيا وشهد هذا الوجود، وأي غرابة في أن يخلق الله رجالا يمثلون العظمة الروحانية، ويظلون على الدهر مضرب الأمثال؟
وقد كان حظ النبي محمد أوفى الحظوظ بين الرسل والأنبياء، فكل نبي قامت من حوله الأساطير، وصورت شمائله بألوان صيغ أكثرها من الخيال، أما النبي محمد فحجته الباقية هي القرآن، وهو كتاب لم يضف إليه سطر واحد بعد موت ذلك الرسول، فهو من الوثائق التاريخية التي يندر أن يكون لها مثيل.
وإلى من نوجه هذا القول؟
أتروننا ندافع عن ذلك الكتاب المجيد؟
ومن عسى أن يكون أعداء ذلك الكتاب؟
وهل كان الملحدون إلا ناسا سخفاء طاشت حلومهم، وظنوا الزيغ من البراقع التي تستر الغباوة والجهل؟
ومن العجب أن نرى بين أعداء القرآن من يعجب بشعر أبي نواس، ويراه صالحا لأن يوضع في الميزان مع أكبر شعراء اليونان.
فأين شعر أبي نواس كله من آية واحدة ستظل أعجوبة البيان في جميع الأزمان؟
وما أدري والله كيف يعقل من يهذي بمثل هذا القول، إلا أن يكون السخف صار من علائم التفوق في هذا الزمن الرقيع!
نامعلوم صفحہ
إن أعداء القرآن لا يعادونه عن عقل، وكيف يعقل من يعادي البدر المشرق، والجبل الركين؟ إنها نزوات تطوف برءوس الممرورين الجبناء الذين توهموا أنه لم يبق للإسلام أوس ولا خزرج، وأن الوادي خلا من الأسد الغضاب، ألا ساء ما يتوهمون.
ومع ذلك سيذهب الملحدون مع الذاهبين، وإن بقيت لهم ذكرى فستكون صورة من صور إبليس، فإن تعللوا بأن الشهرة مغنم عظيم، فليتذكروا أن إبليس سيظل أشهر منهم، وإن قضوا طوال الأعمار في خدمة الإفك والضلال.
سيقول السفهاء من الناس: وما دخل هذا الكلام في مقدمة كتاب المدائح النبوية؟
ونجيب بأننا نصور حالة من أحوال هذا الزمان، فنحن لم نخلق أعداء نحاربهم، وإنما نحارب أعداء نراهم رأي العين، وهم - والله - أحقر من أن نعرض لهم بنقد أو ملام، ولكن حقارتهم لا تمنع المؤمن من وخز صدورهم بلواذع الهجاء، فقديما كان الشيطان الرجيم ملعونا بألسنة المؤمنين.
وما الذي يمنع من حرب الزور والبهتان؟
إن التورع عن لحوم الآثمين ليس إلا ضربا من الجبن، وبفضله استنسر البغاث، وصار للآثمين أشياع وأحزاب.
ومن العجب في مصر بلد العجائب أن تحيا الغيرة على الأطلال، وتموت الغيرة على الحقائق، فلو انتهب حجر من أحجار الكرنك لكان انتهابه نكبة وطنية، وكان الصراخ لضياعه عملا يثاب عليه من يحسن البكاء والعويل.
أما زعزعة الإيمان في هذا البلد، فهي أقل خطرا من سقوط حجر أثري تحرسه وزارة الأشغال؛ لأن رعاية الآثار بدعة عصرية يعرفها الأوروبيون، والأمريكان، أما رعاية العقائد فسنة قديمة سحب عليها الدهر ذيل النسيان.
وما أقول هذا تعصبا للدين - وهو تعصب شريف - وإنما أقوله تعصبا لحقيقة أدبية تغار عليها الأذواق، فليست الثقافة أن نعرف أوهام المشرق والمغرب، وإنما الثقافة أن نعرف ما يجب أن يعرف، وقد آن أن يفهم الغافلون أن الأمة التي يحفظ أطفالها القرآن، هي أهدى من أمثال الأمة التي يحفظ أطفالها أقاصيص لافونتين.
وما أقول هذه الحقيقة وحدي، وإنما يعرفها خلق كثير لا يصدهم عن الجهر بها إلا الخوف من الاتهام بالتعصب والرجعية، وهو اتهام لا أقيم له أي وزن؛ لأن حزب الشيطان أضعف من أن يحسب له حساب.
نامعلوم صفحہ
وقرائي من غير المسلمين لا يسيئهم هذا القول، فليس القرآن ملكا للمسلمين، وإنما هو ملك للإنسانية جمعاء، وكذلك كانت التوراة وكان الإنجيل، وهل كانت الشرائع إلا موارد يفزع إليها الظماء في عالم العقول، والقلوب، والأذواق؟
ونعود إلى موضوع الكتاب فنقول: كانت المدائح النبوية أول الأمر نوعا من المدائح التي تجري على الطرائق الجاهلية، وقد فصلنا ذلك في الفصل الأول من الكتاب، فعرضنا لدالية الأعشى، ولامية كعب، وقصائد حسان، ثم تكلمنا عما وقع في خطب علي بن أبي طالب من المدائح، وبينا كيف نشأ مدح أهل البيت، وكيف ترعرع هذا الفن في البيئات الإسلامية، ثم خصصنا الكميت بدراسة وافية، وهو شاعر فحل شرع للشيعة مذاهب القول، وعلمهم أساليب الجدل والحجاج، وأتبعنا ذلك بفصل عن دعبل، وهو شاعر خبيث اللسان، ولكنه ترك لنا تائية قليلة النظائر والأمثال. ومضينا إلى قصائد الشريف الرضي في صريع كربلاء، وقصائد مهيار في أهل البيت، فأعطينا القارئ فرصة يتعرف فيها إلى طوائف من النوازع الروحية، قل من اهتم بها من الباحثين.
فلما وصلنا إلى البوصيري، وقفنا على آثاره وقفة طويلة، وحدثنا القارئ عما عنده من ضروب السحر والفتون، ثم تكلمنا عن أثر البردة في اللغة العربية، وأرينا القارئ كيف انتهى فن المدائح النبوية إلى فن أدبي رفيع ، هو فن البديعيات، الذي أذاع في الناس ألوانا من الثقافة الأدبية، وساقنا ذلك إلى التحدث عن رجل شهير بين أصحاب البديعيات: هو ابن حجة الحموي الذي أذاع أدب مصر والشام في القرن الثامن.
ثم تكلمنا عن المدائح النبوية في شعر ابن نباتة المصري، وختمنا الكتاب بالكلام عن قصة المولد النبوي.
ذلك موضوع الكتاب الذي نقدمه إلى القراء فرحين مغتبطين، وليس فيه بحمد الله ما نعتذر عنه إلا الإيجاز، وهو عذر يقبله القارئ حين يتذكر أنه كان في الأصل بابا من كتاب.
ولنسارع فنحدث القارئ بأننا لم نرد الاستقصاء، وإنما اكتفينا بالكلام عن آثار الشعراء الفحول، ولو أردنا التحدث عن هذا الفن من جميع نواحيه لساقنا البحث إلى الكلام عن ناس لم يكن لهم من الذوق الأدبي خلاق.
والله نسأل أن يتقبل هذا البحث الذي لم نرد به حين أنشأناه غير وجهه الكريم.
محمد زكي عبد السلام مبارك
الفصل الأول
نشأة المدائح النبوية
نامعلوم صفحہ
الفرق بين المدح والرثاء - دالية الأعشى - لامية كعب بن زهير - مدائح حسان - مدائح علي بن أبي طالب - ميمية الفرزدق - مدح أهل البيت - النسيب في صدور المدائح النبوية. *** (1)
المدائح النبوية من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص.
وأكثر المدائح النبوية قيل بعد وفاة الرسول، وما يقال بعد الوفاة يسمى رثاء، ولكنه في الرسول يسمى مدحا، كأنهم لحظوا أن الرسول
صلى الله عليه وسلم
موصول الحياة، وأنهم يخاطبونه كما يخاطبون الأحياء. وقد يمكن القول بأن الثناء على الميت لا يسمى رثاء إلا إذا قيل في أعقاب الموت؛ ولذلك نراهم يقولون: «قال حسان يرثي النبي
صلى الله عليه وسلم » ليفرقوا بين حالين من الثناء: ما كان في حياة الرسول، وما كان بعد موت الرسول، بخلاف ما يقع من شاعر ولد بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، فإن ثناءه عليه مديح لا رثاء؛ لأنه لا موجب للتفرقة بين حال وحال، ولأن الرثاء يقصد به إعلان التحزن والتفجع، على حين لا يراد بالمدائح النبوية إلا التقرب إلى الله بنشر محاسن الدين، والثناء على شمائل الرسول. (2)
ولم يعن أحد من القدماء أو المحدثين بتأريخ هذا الفن في اللغة العربية؛ لأن الذين أجادوه لم يكونوا في الأغلب من فحول الشعراء، ولأنه لم يطرد في التاريخ، ولم يكن فنا ظاهرا بين الفنون الشعرية كالرثاء، والوصف، والنسيب، وإنما هو فن نشأ في البيئات الصوفية، ولم يهتم به من غير المتصوفة إلا القليل، غير أنه مع ذلك جدير بالدرس؛ لأن فيه بدائع من القصائد والمقطوعات، ولأن له شمائل غير شمائل المديح، ولأن لأصحابه غايات دينية وأدبية خليقة بأن تدرس، وبأن يرفع عنها إصر الخمول.
وسنحاول في هذا الكتاب تأريخ هذا الفن من بدء ظهوره إلى اليوم، والإشادة بالشخصيات القوية التي نشرت أعلامه في تاريخ اللغة العربية، وتحليل القصائد التي أثرت في البيئات الشعبية، والكشف عما في آثار هذا الفن من الألفاظ والتعابير والمصطلحات. ولسنا نزعم أننا سنستقصي كل ما يتصل بهذا الفن، فذلك يحتاج إلى مجلدات، وإنما نرجو أن نشعر القارئ بأنا كشفنا النقاب عن فن مجهول كان خليقا بأن يشغل الباحثين في تاريخ الأدب، ولكنهم انصرفوا عنه، كما انصرفوا عن درس البلاغة الدينية، مع أنه في جملته أجود من بعض ما شغلوا به كتشبيهات ابن المعتز، ومدائح البحتري، وخمريات أبي نواس. (3)
من أقدم ما مدح به الرسول
نامعلوم صفحہ
صلى الله عليه وسلم
قصيدة الأعشى التي يقول في مطلعها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
وعادك ما عاد السليم المسهدا
1
وما ذاك من عشق النساء وإنما
تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
2
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن
إذا أصلحت كفاه عاد فأفسدا
نامعلوم صفحہ
كهولا وشبانا فقدت وثروة
فلله هذا الدهر كيف ترددا
وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع
وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وفيها يقول لناقته:
فآليت لا أرثي لها من كلالة
ولا من حفى حتى تزور محمدا
نبي يرى ما لا ترون وذكره
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل
نامعلوم صفحہ
وليس عطاء اليوم مانعه غدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم
تراحي وتلقي من فواضله ندى
ولكن هذا ليس من المدائح النبوية؛ أي ليس من الفن الذي ندرسه في هذا الكتاب؛ لأن الأعشى لم يقل هذا الشعر وهو صادق النية في مدح الرسول، وإنما كانت محاولة أراد بها التقرب من نبي الإسلام، وآية ذلك أنه انصرف حين صرفته قريش، ولو كان صادقا ما تحول، فقد حدثوا أن قريشا رصدوه على طريقه حين بلغهم خبره وسألوه أين يريد، فأخبرهم أنه يريد محمدا ليسلم، فأفهموه أنه ينهاه عن الزنا والقمار والربا والخمر، فقال: لقد تركني الزنا وما تركته. وأبدى زهادته في القمار رجاء أن يصيب من النبي عوضا منه، وقال عن الربا: ما دنت ولا ادنت.
وأبدى جزعه عند ذكر الخمر وقال: أوه! أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس فأشربها.
فقال له أبو سفيان: هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن الآن في هدنة فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه، وتنظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، وإن ظهر علينا أتيته. فقال: ما أكره ذلك!
وجمع له أبو سفيان من قريش مائة ناقة، فأخذها وانطلق إلى بلده، فلما كان بقاع منفوخة
3
رمى به بعيره فقتله.
4
نامعلوم صفحہ
وهذه القصة تدل على أن مدحه للرسول لم يكن إلا محاولة كسائر محاولات الشعراء الذين يتكسبون بالمديح، وليست قصيدته أثرا لعاطفة دينية قوية حتى تلحق بالمدائح النبوية. (4)
وكذلك الحال في قصيدة «بانت سعاد» التي قالها كعب بن زهير في مدح الرسول
صلى الله عليه وسلم ، فإنها لم تنظم إلا في سبيل النجاة من القتل، وحديث ذلك أن كعبا خرج هو وأخوه بجير إلى رسول الله حتى بلغا أبرق العزاف،
5
فقال كعب لبجير: الحق الرجل، وأنا مقيم ها هنا، فانظر ما يقول لك. فقدم بجير على رسول الله فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبا فقال:
من مبلغ عني بجيرا رسالة
فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأسا روية
فأنهلك المأمون منها وعلكا
6
نامعلوم صفحہ
وخالفت أسباب الهدى واتبعته
على أي شيء ويب غيرك دلكا
7
على خلق لم تلف أما ولا أبا
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
ولا قائل إما عثرت لعا لكا
8
وبعث بها إلى بجير، فكره أن يكتمها رسول الله، فأنشده إياها، ثم قال بجير لكعب:
من مبلغ كعبا فهل لك في التي
نامعلوم صفحہ
تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله - لا العزى ولا اللات - وحده
فتنجو إذا كان النجاة وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت
من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه
ودين أبي سلمى علي محرم
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها الرسول، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل من جهينة، فغدا به إلى رسول الله حين صلى الصبح، فصلى معه، ثم أشار له إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقال: هذا رسول الله، قم إليه فاستأمنه. فقام حتى جلس إليه فوضع يده في يده، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ فقال رسول الله: نعم! فقال: أنا، يا رسول الله، كعب بن زهير! ثم أنشده القصيدة.
نامعلوم صفحہ
9
وهذه الظروف ترينا أن كعب بن زهير لم يقل لاميته وهو مأخوذ بعاطفة دينية قوية، تسمو به إلى روح التصوف، إنما هي قصيدة من قصائد المديح، يقولها الرجل حين يرجو أو يخاف، وليست من المدائح النبوية في شيء. (5)
تقع لامية كعب في ثمانية وخمسين بيتا، وهي من الشعر المحكم الرصين - وإن خلت من قوة الروح - وتجري على التقاليد الأدبية لشعراء الجاهلية ، فيبدؤها الشاعر بهذا النسيب :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
لا يشتكى قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
نامعلوم صفحہ
كأنه منهل بالراح معلول
10
أكرم بها خلة لو أنها صدقت
موعودها أو لو ان النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها
فجع وولع وإخلاف وتبديل
11
فما تدوم على حال تكون بها
كما تلون في أثوابها الغول
ولا تمسك بالعهد الذي زعمت
نامعلوم صفحہ
إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت
إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا
وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها
إلا العتاق النجيبات المراسيل
12
نامعلوم صفحہ
وهنا ينتقل فيصف الناقة وصفا مفصلا يذكر بدالية طرفة بن العبد، وهو في ذلك يتابع ما كان معروفا لذلك العهد من التقاليد الشعرية، إلى أن يقول في مدح الرسول:
وقال كل خليل كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم
فكل ما قدر الرحمن مفعول
13
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
أنبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
نامعلوم صفحہ
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب وإن كثرت في الأقاويل
ويقول بعد أبيات:
إن الرسول لنور يستضاء به
وصارم من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
نامعلوم صفحہ