إن أعداء القرآن لا يعادونه عن عقل، وكيف يعقل من يعادي البدر المشرق، والجبل الركين؟ إنها نزوات تطوف برءوس الممرورين الجبناء الذين توهموا أنه لم يبق للإسلام أوس ولا خزرج، وأن الوادي خلا من الأسد الغضاب، ألا ساء ما يتوهمون.
ومع ذلك سيذهب الملحدون مع الذاهبين، وإن بقيت لهم ذكرى فستكون صورة من صور إبليس، فإن تعللوا بأن الشهرة مغنم عظيم، فليتذكروا أن إبليس سيظل أشهر منهم، وإن قضوا طوال الأعمار في خدمة الإفك والضلال.
سيقول السفهاء من الناس: وما دخل هذا الكلام في مقدمة كتاب المدائح النبوية؟
ونجيب بأننا نصور حالة من أحوال هذا الزمان، فنحن لم نخلق أعداء نحاربهم، وإنما نحارب أعداء نراهم رأي العين، وهم - والله - أحقر من أن نعرض لهم بنقد أو ملام، ولكن حقارتهم لا تمنع المؤمن من وخز صدورهم بلواذع الهجاء، فقديما كان الشيطان الرجيم ملعونا بألسنة المؤمنين.
وما الذي يمنع من حرب الزور والبهتان؟
إن التورع عن لحوم الآثمين ليس إلا ضربا من الجبن، وبفضله استنسر البغاث، وصار للآثمين أشياع وأحزاب.
ومن العجب في مصر بلد العجائب أن تحيا الغيرة على الأطلال، وتموت الغيرة على الحقائق، فلو انتهب حجر من أحجار الكرنك لكان انتهابه نكبة وطنية، وكان الصراخ لضياعه عملا يثاب عليه من يحسن البكاء والعويل.
أما زعزعة الإيمان في هذا البلد، فهي أقل خطرا من سقوط حجر أثري تحرسه وزارة الأشغال؛ لأن رعاية الآثار بدعة عصرية يعرفها الأوروبيون، والأمريكان، أما رعاية العقائد فسنة قديمة سحب عليها الدهر ذيل النسيان.
وما أقول هذا تعصبا للدين - وهو تعصب شريف - وإنما أقوله تعصبا لحقيقة أدبية تغار عليها الأذواق، فليست الثقافة أن نعرف أوهام المشرق والمغرب، وإنما الثقافة أن نعرف ما يجب أن يعرف، وقد آن أن يفهم الغافلون أن الأمة التي يحفظ أطفالها القرآن، هي أهدى من أمثال الأمة التي يحفظ أطفالها أقاصيص لافونتين.
وما أقول هذه الحقيقة وحدي، وإنما يعرفها خلق كثير لا يصدهم عن الجهر بها إلا الخوف من الاتهام بالتعصب والرجعية، وهو اتهام لا أقيم له أي وزن؛ لأن حزب الشيطان أضعف من أن يحسب له حساب.
نامعلوم صفحہ