ابو العلاء المعری زوبعہ الدهور
أبو العلاء المعري زوبعة الدهور
اصناف
ثم يقول: «فوجدت أوفق ما أصنعه في أيام الحياة عزلة تجعلني من الناس كبارح الأروى من سانح النعام، وما ألوت نصيحة لنفسي، ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى حيزي، فأجمعت على ذلك واستخرت الله فيه، بعد جلائه على نفر يوثق بخصائلهم؛ فكلهم رآه حزما وعده، إذا تم، رشدا.»
هب أن أبا العلاء استشار في أمره نفرا يوثق بخصائلهم وفقا للعادة المعروفة عندنا، فما الذي يدعوه إلى «الاعتراف» إلى أهل المعرة؟ وهل يمكن أن تكون هذه الرسالة موجهة إليهم جميعا؟ وما يعني أهل بلدته منه لو لم تكن تجمعه وأكثرهم خطة متفق عليها؟
ثم يقول: «وهو أمر أسري عليه بليل قضى برقه، وخبت به النعامة، ليس بنتيج الساعة ولا ربيب الشهر والسنة، ولكنه غذي الحقب القادمة، وسليل الفكر الطويل.» أليس في قوله: «ولكنه غذي الحقب القادمة.» ما يوقف المفكر، ويدلنا على أن الرجل يخاطب جماعة يفهمون ما يعني، وتربطه بهم علاقة أعظم من علاقة كل رجل بأهل بلدته؟
ثم يقول: «وبادرت إلى إعلامهم ذلك مخافة أن يتفضل منهم متفضل بالنهوض إلى المنزل الجارية عادتي بسكناه، ليلقاني فيه فيتعذر ذلك عليه، فأكون قد جمعت بين سمجين: سوء الأدب وسوء القطيعة. ورب ملوم لا ذنب له. والمثل السائر يقول: خل امرءا وما اختار.»
إن أبا العلاء يوضح للإخوان خطة لم يكونوا ألفوها بعد، ثم يوصيهم بها في لزومياته كما سترى، ويريد منهم الآن أن يوافقوه عليها ولا يشجبوه. وعلى خطة أبي العلاء هذه يجري اليوم كبار عقال الدروز، فإذا أرادوا أن ينفردوا ويلزموا بيوتهم يستشيرون المجلس. وقد يترك الرجل منهم زوجته - بعد الحصول على رضاها - وينفرد في مكان ما يغسل فيه أدران ماضيه، ويطهر فيه نفسه طول حياته، وأشهر أمكنة التوحيد والانفراد عندهم «خلوات البياضة» وقل من لم يسمع باسمها؛ فهي أشبه بصوامع الحبساء عند النصارى.
وماذا يخشى أبو العلاء حتى يستميح أهل المعرة عذرا لو لم تكن هناك رابطة تربطه بهم وقد أعطى لأجلها صفقة يمينه؟
ويقول: «وما سمحت القرون بالإياب حتى وعدتها أشياء ثلاثة: نبذة كنبذة فتيق النجوم، وانقضابا من العالم كانقضاب القائبة من القوب، وثباتا في البلد إن جال أهله من خوف الروم. فإن أبى من يشفق علي، أو يظهر الشفقة إلا النفرة مع السواد كانت نفرة الأغفر أو الأدماء.»
إن عبارة «وما سمحت القرون بالإياب» التي مرت بنا هي أخت «غذي الحقب القادمة» التي مرت قبلها، وكلتاهما فاطميتان لا يدرك معناهما الحصري إلا الراسخون في علم العقيدة. وأرجو أن تحفظ هذه «الأشياء الثلاثة» التي وعد بها أبو العلاء القرون حتى سمحت؛ فهي ستثبت لك فاطمية أبي العلاء حين يأتي الكلام على خروجه من محبسه لاشترائه المعرة خطة غبن بعد بيعه وحدته بيعة وكس ... أما الآن فسر بنا إلى تتميم نص الرسالة:
وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس مكان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه. والجاهل مغالب القدر.
ولماذا يحلف أبو العلاء لقوم هو سيدهم، وأذكاهم، وأفهمهم، وأعلمهم، ولماذا ينفي عنه السفر في طلب المال لولا أن الزهد في الدنيا أساس العقيدة الفاطمية كما سترى؟
نامعلوم صفحہ