ابو العلاء المعری زوبعہ الدهور
أبو العلاء المعري زوبعة الدهور
اصناف
إن تلك الثورة العقلية الصاخبة في زمن أبي العلاء تظن بها الظنون، فلا تستغرب يا قارئي ما زعمت لك، وإني لأعتقد أن المعري نظم كتابه طبقا لترتيبه، ولم يزج هنا وهناك إلا القليل. ومن تأمل رأى الضعف ملموسا في آخره؛ لأن الشيخ كان فيه بين جهدين: جهد العمل الجاهد، وجهد الثمانين.
أدرك الشيخ، عفا الله عنه، ما في شعره من جفاف، فقال فيما قدمه بين يدي لزومياته: «وأضيف إلى ما سلف من الاعتذار أن من سلك هذا الأسلوب ضعف ما ينطق به من النظام؛ لأنه يتوخى الصادقة، ويطلب من الكلام البرة، والشعر باب من أبواب الباطل، فإذا أريد به غير وجهه ضعف.»
لسنا نعفي شيخنا من جريرة هذا الزعم، ونرد عليه قوله وبرهاننا من شعره وفيه؛ فقصيدته «غير مجد في ملتي» من أجود الشعر، وفيها الصادقة والبرة من الكلام، بل هي نواة فلسفته التي انبثقت منها تلك النبعة التي لا يوازى بأعلى نبتها الشجر، كما قال الأخطل، ومع ذلك لم تضعف تلك القصيدة؛ فالشعر يضعف ويأتيه الباطل من الجهات الست حين يصبح جدلا كما فعل شيخنا الموقر، أو حين يصبح ألفاظا تردد وتجتر كما يفعل أكثر شعراء الجيل الطالع ... إن من يشغل باله النحو والصرف في الشعر كأبي العلاء فيقول:
ستتبعه كعطف الفاء ليست
بمهل أو كثم على التراخي
لا يكون حظه من الشعر النقي إلا قليلا؛ فثقافة أبي العلاء الفنية مستمدة من جميع ما عرفه العرب، وهو أعظم راوية عرفه أدبنا. وغايته الأولى علم الكلام والجدل ومقارعة أئمة الأديان أجمع، وفنه في اللغة والنحو والصرف والعروض وكل ما أنشئ لصون اللغة من علوم كما يرى المفكر حين يقرأ آثاره كلها.
في شعره اللزومي ثورة تنفخ فيه حياة مبعثها روح الشاعر الثائرة المتمردة الساخرة، فملح بعضه وطاب. سير الشاعر قريحته في غير اتجاهها كما سير نفسه فقضى على الثنتين.
قد تسأل عن مشاكل النحو والصرف وغيرها التي أفسدت فن شيخ المعرة حتى في أروع آثاره، «رسالة الغفران»، فاسمع كيف يقول واحكم أنت:
إذا غدوت عن الأوطان مرتحلا
فضاه في البين حذف الواو من يعد
نامعلوم صفحہ