مع العرب: في التاريخ والأسطورة
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
اصناف
فمعذرة الإله لذي رعين!
فصمت عمرو، وخلى عن ذي رعين.
غير أن بعض الرواة أبى إلا أن يكمل الحكاية، فقال: صمت عمرو صمتة طال أمدها، ثم خاطب ذا رعين بهذه الكلمات: إنك بريء كما تقضي الظواهر، وبريء كما يقضي العرف، فلن أقتلك، ومع ذلك فإنك لست ببريء: لقد علمت بشر يقع ففهت بكلمة وسكت، وكتبت صحيفة تحتج بها فيما بعد ليسلم لك رأسك، وقد يصح ما كتبته مثلا سائرا من الأمثال، ولكنه لا يصح لك تبرئة وتنزيها.
فأجابه ذو رعين: كلا، أيها الملك، لم أفكر إلا بحجة تكون لي أمام ضميري، وأمام الناس، ووقفت على حياد.
فقال عمرو : إن الحياد في وجه الشر لضرب من ضروب المشاركة في الجريمة يقع فيه الخبثاء والسذج على السواء، وما همهم من القضية كلها إلا أن يستطيعوا، في يوم من الأيام، أن يقولوا لأنفسهم وللناس: لقد كنا على حق، لقد كنا نعرف النهاية، ولقد بقينا والحمد لله ناصعي الجبين!
وكان الملك عمرو ساعتئذ قاضيا ينطق بحكم صوابي عميق، ولكنه كان من القضاة الذين يحسنون الحكم على غيرهم، وحسب!
وانحلت هذه الأزمة، الأزمة الضميرية! وهدأ الملك عمرو بعد الذي سفكه من دم على دم، وبدأ بعض يلقبه بالملك العادل الذي انتقم لأخيه.
وقال ذو رعين لأحد أصدقائه من السياسيين المعجبين «بالملك العادل»: يا صديقي، لقد كان على هذا الملك العادل أن يبدأ في القطع برأس نفسه، فأجابه الصديق السياسي: ولكن ألا ترى أنه لو قطع رأس نفسه لما استطاع أن يقر العدل ويقطع رءوس المذنبين؟
فسكت ذو رعين؛ لأنه أعجبه هذا المنطق العجيب.
مدينة في الصخر
نامعلوم صفحہ