مع العرب: في التاريخ والأسطورة
مع العرب: في التاريخ والأسطورة
اصناف
فكانت تلك لغة لم يفهمها عمرو.
فانكسرت نفس ذي رعين، ووقف منذ مئات السنين ذلك الموقف الذي لا يزال يقفه طيبو القلب، وهم حائرون في هذا الطلاق العجيب، الذي يبدو محتوما، بين ما يسمونه السياسة والضمير.
وأحب ذو رعين أن ينبه حسانا إلى المكيدة التي تدبر له، على أنه عرف أن حسانا في مثل هذه الحال سيعالج أخاه بالقتل، وما الفرق بين أن يقتل حسان عمرا، أو أن يقتل عمرو حسانا؟
وما لبث صاحبنا أن قضى بأن خير موقف يقفه هو الحياد.
ثم فطن إلى شيء: أليس من واجبه أن يرضي ضميره على الأقل؟ والمستقبل؟ من يدري ما يتكشف عنه المستقبل؟ ومن يصدق أن ذا رعين لم يكن مواطئا للأقيال في قبيح فعلتهم؟ فما العمل؟
وكانت النتيجة أن قام ذو رعين إلى صحيفة بيضاء وخط فيها سطرين، ثم طواها طيا محكما وحملها إلى الأمير عمرو وقال له: سألتك، أيها الأمير، أن تختم على هذه الصحيفة المطلوبة بخاتمك وتستبقيها وديعة لي عندك.
وانزوى ذو رعين وهو يقول: ما أحسن راحة الضمير!
وجرت الحوادث مجراها، فقتل عمرو أخاه حسانا وأصبح صاحب الأمر من بعده، لبس التاج الذي كان يتمناه، وقعد على العرش الذي كان يتشهاه، وسكر السكرتين، سكرة الملك وسكرة النصر.
إلا أن السكرتين لم تدوما طويلا، وجعل عمرو كلما اجتمع لديه الأقيال، يذكر أنهم هم الذين حرضوه وأعانوه على قتل أخيه، فكيف يأمنهم على نفسه؟ ولقد كان على يقين من بلوغ الملك بعد وفاة أخيه، فهل أكسبه قتله إلا الغدر؟
وطفق شبح أخيه يزحف عليه من زوايا القصر كلما هبط الليل.
نامعلوم صفحہ