مباحث علمية واجتماعية

شبلی شمیل d. 1335 AH
125

مباحث علمية واجتماعية

مباحث علمية واجتماعية

اصناف

وهذه بلاد الهند، فحراجها لا تزال ملجأ وحوش الغاب، وأوديتها مواطن الأفاعي، ومستنقعاتها موارد الحتوف.

وهذه قارة أمريكا، وحكومتها أرقى الحكومات، وشعبها أرقى الشعوب، فاتحة أبوابها لكل عامل نافع تجود عليه بالأرض ليعمل فيها ويزيد في عمرانها.

وهذه المملكة العثمانية تستطيع أن تأوي فيها فوق ما فيها من السكان أضعافا مضاعفة.

وهذه أوروبا المتمدنة اليوم، المتضايقة أكثر من سواها، لم تبلغ الدرجة القصوى من العمارية.

فأنت ترى أن الأرض لا تزال واسعة جدا على الإنسان رغما عن تشاؤم المتشائمين وإحصاء الإحصائيين، تقوم بأوده مهما زاد في عدده، إلى أن يتاح له ركوب متن الهواء لافتتاح السماء، والمهاجرة إلى الأجرام، والسفر إليها بمراكب الحقيقة بعد مطايا الأحلام.

فالتنازع بين الإنسان ليس سببه المدافعة عن القوت، والحروب ليس الدافع إليها الخوف من الجوع، وإنما هي المطامع تحمل الإنسان على قتل الإنسان، والمطامع هي جوع النفوس، وهو أشد هولا من جوع الأجسام.

ألا ترى أن الإنسان، كما جاء في أساطير الأولين وفي كتب الدين، ما صار اثنين حتى قام قايين على هابيل وقتله؛ لأنه ظن أن الله فضله عليه إذ خصه بالضرع، وهو لم يخصه إلا بالزرع، والتفضيل مشكوك فيه؟ لا غرو إذا بقي الإنسان حتى اليوم أعرق في المطامع وأميل إلى الشر؛ لأنه بحكم الرواية من نسل قايين اللعين.

وهي حكمة عرفها السلف عن طبيعة الإنسان في حب التنازع؛ لأنه ابن هذا التنازع في ناموس الوجود، فعبر عن هذه الحقيقة الصادعة بذاك المجاز الرائع.

وأعمال الإنسان في جاهليته الأولى لم تخرج عن ذلك، فلم يكن الواحد يهب من رقاده حتى يعلو ظهر جواده متأبطا شره للنهب والسلب والتمثيل بعدو له لم يره قبل طعنه بسنان رمحه، أو ضربه بحد سيفه. ولا يزال يرود في طلب غنيمته بين الظعن والمضارب، ولا يرجع إلى الخيام إلا تحت جنح الظلام، ولا يهنأ له عيش حتى ينام على إثم، حتى صار ارتكاب مثل هذا الوزر عنوان الفخر الذي لا يعلو عليه فخر، فدبج الأصمعي قصة عنترة عبس العرب، ونظم هوميروس ملاحم أخيل اليونان، هذا يفتخر بأنه جندل أعداءه حتى تركهم، كما في قوله:

وقرا الطير والكلاب القيولا

نامعلوم صفحہ