والعلامات الجامعة للنجابة في الفرس ما ذكره أيوب بن القربة وقد سأله الحجاج عن صفة الجواد من الخيل فقال: القصر الثلاث الصافي الثلاث، الطويل الثلاث الرحب الثلاث، فقال: صفهن، فقال: أما الثلاث الصافية، فالأديم، والعينان والحافر، وأما الثلاث القصار، فالعسب، والساق، والظهر، وأما الثلاث الطوال فالأنف، والعنق، والذراع، وأما الثلاث الرحبة فالجوف والمنخر والجبهة، وقد جمع بعض الشعراء هذه الأوصاف فيقوله:
وقد اغتدي قبل ضوء الصباح ... وورد القطا في الغطاط الحثاث
بصافي الثلاث عريض الثلاث ... قصير الثلاث طويل الثلاث
وأهدى عمرو بن العاص ثلاثين فرسا من خيل مصر، فعرضت عليه وعنده عتبة بن سنان بن يزيد الحارثي، فقال له: معاوية كيف ترى هذا يا أبا سفيان فإن عمرا أطنب في وصفها، فقال: أراها يا أمير المؤمنين كما وصفت إنها لسامية العيون لاحقة البطون مصغية الآذان قراء الأسنان ضخام الركبات مشرفات الحجبات رحاب المناخر صلاب الحوافر، وقعها نحليل، ورفعها تعليل، فهي إن طلبت سبقت، وإن طلبت لحقت قال معاوية: اصرفها إلى دارك فإن بنا عنها غنى وبفتيانك إليها حاجة، وهذه الخلال قلما توجد في جواد، ولو بذل فيه سواد العين، وسويداء القلب.
وقد قال أبو الطيب المتنبي مؤيدا لما قلت:
وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في غبن من لا يجرب
وإذا لم يشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب
ووصف أعرابي فرسا أجرى في حلبة فقال: لما أرسلت الخيل جاءوا بشيطان في اشطان، فارسوله، فلمع البرق واستهل الودق فكان أقرب الخيل إليه نقع عينه من بعد عليه.
ووصف محمد بن الحسين بن الحروف فرسا فقال: هو حسن القميص جيد الفصوص وثيق القصب نقي العصب يبصر بأذنيه ويتبع ويتبوع، بيديه، ويدخل برجليه، وكتب عبد الله بن طاهر مع فرس أهداه إلى المأمون، وقد بعث إلى أمير المؤمنين فرسا يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء ويسبق في الحدود جري الماء إن عطف جار وإن أرسل طار وإن حبس صفن، وإن استوقف قطن، وإن رعى أبن فهو كما قال تأبط شرا.
ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي ... بمنخرق من شدة المتدارك
ووصف آخر فرسا، فقال: وإذا هبط قعى كأنه محلول من قول أبي بكر بن دريد يصف فرسا:
إذا جرى لم يعلق الطرف به ... ولم يجعل لونه ولم يحط
مثل دعاء مستجاب إن علا ... أو كقضاء نازل إذا هبط ووصف آخر فرسا، فقال: أسيل الخد حسن القدر لقد سبق الطرف ويستغرق الوصف وقال محمد بن عبد الملك لصديق له ابلغ لي برذونا، وثيق اليدين سالم الأذنين ذكي العينين، يأنف من تحريك الرجلين، وساير شبيب بن شيبة علي بن هشام فاستبطأه فقال له: أنت على جواد إن تركته سار وإن ضربته طار وأنا على معرف إن تركته وقف وإن شربته قطف وقال بعض الشعراء يصف فرسا سبق حلبة فقال:
جاء كلمع البرق جاش ناظره ... يرسب أولاه ويطفو آخره
فما يمس الأرض منه حافره
وقال أبو عبادة البحتري:
كالهيل المبني إلا أنه ... في الحسن جاء كصورة في هيكل
جد لأن ينقض عذرة في غرة ... يقف تسيل حجولها في جندل
صافي الأديم كنا عنيت له ... لصفاء نقبته مدارس صيقل
هزج الصهيل في نفحاته ... فبرات معبد في الثقيل الأول
وقال أبو الفرج الببغاء:
إن لاح قلت أدمية أم هيكل؟ ... أو عن قلت أسابح أم جدال؟
تتخاذل الألحاظ في إدراكه ... ويحار فيه الناظر المتأمل
فكأنه في اللطف منهم ثاقب ... وكأنه في الحسن حظ مقبل
وقال محمد بن هاني الأندلسي:
عرفت بساعة سبقها لأنها ... علقت بها الرهان عيون
واجل علم البرق فيها إنها ... مرت بجانحيته وهي ظنون
ولآخر:
منع القوائم أن تمس بها الثرى ... فكأنه في جريه متعلق
وكأن أربعة تراهن طرفه ... فيكاد يسبقه إلى ما يرمق
وقال عبد الجبار بن محمد بن حمد يس الصقلي:
شطر أولومجرر في الأرض ذيل عسيبه ... حمل الزبرجد منه جسم عقيق
يجري فلمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق
ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في قران صديق وقال أبو الفتح كشاجم:
1 / 52