ومجموعه يسميه ابن أبي الأشعث: الحي المملوك الذي يدبره القعل والطبيعة معًا، وهو ينقسم إلى ما يؤكل فقط، وإلى ما يركب فقط، وإلى ما يركب ويؤكل معًا، ومن أجل هذه المنافع ملك، ولتدبير العقل له قرب مزاجه من مزاج الإنسان وإنما الفرق بينهما أن العقل يدبر الإنسان من ذاته ومن خارج ذاته ونجعل بدء قولنا في الحيوان المركوب أهم ما تقدم الكلام فيه.
القول في طبائع الفرس
وإنما بدأنا به لأنه قريب من الاعتدال الخالص، وأحسن ذوات الأربع صورة وأفضل من سائرها، وأشببها بالإنسان لما يوجد فيه من الكرم، وشرف النفس وعلو الهمة، وتزعم العرب: أنه كان وحشيًا، وأول من ذلل صعبه وركبه إسماعيل ﵇ وهو جنسان: عتيق وهو المسمى فرسًا، وهجين وهو المسمى برذونًا، والفرق بينهما أن عظم البرذون أغلظ من عظم الفرس وأمتن وعظم الفرس أصلب وأثقل من عظم البرذون، والبرذون أحمل من الفرس، والفرس أسرع من البرذون، والعتيق بمنزلة الغزال، والبرذون بمنزلة الشاة ولكل واحد منهما نفس تليق بفعله وآلات مواتية له، وفي طبع الفرس الزهور والخيلاء والعجب والسرور بنفسه، والمحبة لصاحبه، ومن أخلاقه الدالة على كرمه، وشرف نفسه، ومن شرفها أنه لا يأكل بقية من علف غيره، وعلو همته، كما حكى المؤرخون أن أشقر مروان كان سائسه لا يدخل عليه إلا بأذن، وهو أنه يحرك له المخلاة فإن حمحم دخل، وإن دخل ولم يحمحم شد عليه، وناهيك لهذا الخلق في علو الهمة، والأنثى من الخيل ذات شبق شديد لشدة شبقها تطيع الفحل من غير نوعها، ويقال: أنه متى اشتد شبقها، وقص من عرفها سكن عنها، والذكر يشتد به الشبق ويزسد حتى يؤثر أن يؤتى لفرط شهوته وقصر آلته عن الوفاء بتسكين ما يجد، وربما اقتتل الفحلان بسبب الأنثى، حتى تكون لمن يغلب منهما، ويقال أن الإناث تمتلئ في أوان السفاد ريحًا، وإذا أصابتها ذه الآفة يركض بها ركضًا متتابعًا، ولا يؤخذ بها لا إلى الغرب، ولا إلى الشرق، بل إلى الشمال والجنوب حتى يخرج من أرحامها، كما يخرج عند ولادتها، وهي في زمان السفاد تطاطئ رؤوسها وتحرك أذنابها، ويسيل من قبلها شيء شبيه بالمني غير أنه رقيق، وإذا تودقت الرمكة، وأفرطت وكان بها هزال من ضعف أو علة، ولم تمكن أن ينزى عليها لتلك العلة أنزى عليها بغل لأنه لا يلقحها وهو بالغ أقصى شقائها وغاية شهوتها بالذي معه من الطول والغلظ فيسكن ذلك عنها، والذكر يكون مع ثلاث إناث أو أكثر، وإذا دنى ذكر آخر من الأنثى التي اختارها قاتله وطرده، والطمث يعرض للإناث أقل من طمث النساء، والذي ينزو إذا تمت له سنتان، وكذلك الإناث، والإناث تحمل أحد عشر شهرًا وتضع في الثاني عشر وهي تضع ولدًا واحدًا، وربما وضعت في النادر اثنين، والذكر ينزو إلى تمام أربعين سنة، وربما عمر إلى التسعين، والأنثى تأنف من نزو الحمار عليها فإذا أريد ذلك منها أخذت بعرفها فتذل وتسكن، وكذلك الفحل يأنف من أن ينزو على أخته أو على أمه، وقد حكي: أنه أريد أن يحمل على رمكة ولد لها، يريدون بذلك العتق فأنف فسترت بثوب فنزى عليها فلما رفع الثوب ورآها مر بحضر حتى رمى نفسه في بعض الأودية فهلك، والخيل قد ترى الأحلام، وتحتلم كبني آدم، وذلك لفرط الشهو فيها، ومتى خلت الأنثى أو هلكت، وكان لها فلو أرضعته الإناث وربته، وإذا لم يكن فيها لبن يرضع عطفت عليه العواقر وتعاهدته، ولكنه يهلك إذ ليس فيها لبن، وربما ضل الفلو عن أمه فرضع من غيرها، فإذا فعل ذلك ماتت أمه، ويعتري الفرس داء شبيه بالكلب، وعلامته استرخاء في أذنيه إلى ناحية عرفه، وامتناعه من العلف وليس لهذا الداء علاج إلا الكسن، وفي طبع الفرس أنه لا يشرب الماء إلا كدرًا حتى أنه يرد الماء صاف فيضربه بيده حتى يكدره، ويبين عكره، وربما ورد الماء الصافي وهو عطشان، ويرى فيه خيالًا له ولغيره فيحاماه ويأباه، وذلك لفزعه مما يراه، يوصف بحدة البصر حتى أن بعض المغالين فيه يقولون: لو اجري بالفرس في يوم ضباب من شوط بعيد، واعترضت بين يديه شعره، لوقف عندها ولم يتعد حدها، وفي، وفي طبعه أنه إذا وطئ على أثر الذئب خدرت قوائمه حتى لا يكاد يتحرك، وخرج الدخان من جلده، وإذا وطئته الأنثى وهي حامل أزلقت.
فصل
1 / 51