98

وتقول سوزان: «أمي وأختي كانتا قد خرجتا من باريس مع الخارجين الهائمين على وجوههم ينامون في المدارس والكنائس أو في الطرقات ...

آخر ما سمعته عنهما أنهما توقفتا في الطريق وامتنعتا عن السير مع الفارين، وقررتا العودة إلى بيتهما في باريس، وإذن فهما الآن هناك تحت سيطرة الألمان، أمي في آخر خطاب قالت لي إن الموت بكرامتنا في باريس خير من الذل الذي يتعرض له الهاربون.»

ويقول الدكتور طه حسين: «لا موت ولا ذل، فرنسا ستقاوم، الأحرار سوف يقاومون دائما، ألا تذكرين؟

ألا تذكرين أن الألمان سبق أن دخلوا فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وأن كثيرا من هؤلاء الألمان التعساء لم يخرجوا من فرنسا أحياء؟» •••

طه حسين، في مكتبه بوزارة المعارف، يملي مذكرة إلى الوزير:

تفضلتم معاليكم فطلبتم إلي أن أبدي رأيي في المؤتمر الثقافي الذي فكرت الوزارة في عقده، ليس من شك في أن التقريب الثقافي بين البلاد الشرقية، والبلاد العربية خاصة، غرض أساسي يجب أن تسعى إليه الوزارة، وليس من شك في أن المصلحة في التقريب بين برامج التعليم العام في كل البلاد العربية، ولكني أرى أن تحقيق هذه الفكرة الآن لا يحتاج إلى مؤتمر بالمعنى الشائع لهذه الكلمة، ولكنه يحتاج إلى لجنة محدودة العدد تمثل فيها البلاد العربية لتدرس مناهج التعليم العام في هذه البلاد درسا دقيقا، تهدف به إلى توحيد هذه المناهج في الموضوعات الثقافية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي نوع من أنواع التعليم، وإلى التقريب والملاءمة في مناهج الدراسات التي تتصل بالأوطان ...

التليفون يقطع الإملاء والسكرتير يقول إن المحادثة عاجلة.

كان سلاح الطيران المصري الناشئ يعمل في الصحراء الغربية يعاون الجيش الإنجليزي في عمليات الاستطلاع، ومن بين ضباط هذا السلاح شاب هو ابن السيدة زينب أخت الدكتور طه حسين، كان قد خرج في «طلعة» من طلعات الطيران ولم يعد، وزارة الحربية أعلنت والدته اليوم رسميا أنه قد قتل.

يترك طه حسين الإملاء ويغادر الوزارة ليذهب إلى شقيقته ليواسيها ما استطاع، وهو ثائر لأن مصر تقدم مثل هذه التضحيات لحساب غيرها؛ لأننا ما زلنا خاضعين لاستعمار يسيطر على أرضنا ومائنا وسمائنا، وتسفك من أجله دماء مثل دماء هذا الفتى الفقيد.

وتزداد الحالة خطورة في الصحراء الغربية، ويصبح وصول جيوش رومل إلى دلتا النيل احتمالا قائما يدبر الجيش البريطاني الخطط لمواجهته، ومن ذلك اقتراح إغراق مديرية البحيرة لوقف الزحف إذا اقترب الألمان من الدلتا.

نامعلوم صفحہ