طه حسين ينتهي من خطابه عن «أثر الحضارة العربية في الحضارة الغربية»، القاعة تضج بالتصفيق الحاد، ومدير عام هيئة اليونسكو مسيو «توريز بوديه» يتقدم إلى المنصة لينزل مع طه حسين إلى القاعة، ويقبل على المحاضر للتحية والتهنئة كثيرون، منهم «جوليان هكسلي» العالم البريطاني، وأعضاء الحكومة اللبنانية، وأعضاء الوفد المصري والوفود العربية، الجميع يهنئون ويتحدثون فيما بينهم بإعجاب كبير ... وزوجته تنتظر لتخرج معه وتقول له: «لقد تألمت وفي صمت عندما عرفت أنك لن تكون من بين ممثلي الثقافة المصرية في مؤتمر اليونسكو، والآن أدرك أنك قد تجاوزت ذلك إلى تمثيل الثقافة العربية كلها، والمشاركة المشرفة في الحياة الثقافية في العالم كله.»
ويقول طه حسين لزوجته: «لبنان جميلة، كنا نحب أن نبقى مدة أطول، ولكن لا بد من العودة للإعداد لزواج أمينة.» •••
في منزل طه حسين بالزمالك 12 يونيو 1948 يحتفل بزواج أمينة.
الشيخ عبد المجيد سليم يعقد العقد، والشاهدان هما مصطفى النحاس باشا وأحمد لطفي السيد باشا، ويشهده كذلك المستشار إبراهيم الزيات وعبده حسن الزيات المحامي، ويخرج العروسان من الحفل بسرعة إلى المستشفى القبطي في القاهرة ليزورا والد العريس الذي كان قد وصل مع زوجته إلى القاهرة لحضور حفل الزفاف ولكنه أحس في محطة القاهرة بتعب مفاجئ فنقل إلى المستشفى القبطي، وذهبت زوجته معه، وأجريت له جراحة عاجلة هناك، وقد ألح على ولده وعلى الدكتور طه حسين عندما زاراه في المستشفى كي يتم عقد القران في موعده، وهو يبدو الآن في حالة معنوية طيبة يقبلهما، وتباركهما وتقبلهما الأم، وهما يريدان أن يرجئا السفر لقضاء شهر العسل في الخارج حسبما كان متفقا عليه حتى يغادر الوالد المستشفى، ولكنه يطلب منهما في إلحاح عدم تغيير برنامجهما، ويرجو لهما سفرا طيبا وعودة سريعة ليسعده استقبالهما في منزل الأسرة في دمياط.
في ميناء الإسكندرية وفوق ظهر السفينة «إسبريا» يصل رسول إلى السفينة يبلغ العروسين بما حدث: انتكس الوالد فجأة ونادى في الليل زوجه وطلب منها كوب ماء وشرب منها جرعة وابتسم ونام وتخيلت زوجه أنه قد نام، ولكن قضاء الله كان قد وقع، استعاد الله وديعته، أمينة تخلع ملابس العرس وتلبس ملابس الحداد، ينزل العروسان من الباخرة، ليسافرا إلى بيت الأسرة في دمياط. •••
ويقبل يناير من عام 1949 ويقرأ فريد سكرتير طه حسين عليه الصحف ثم الخطابات، إن أهم الأخبار هو أن رالف بانش وسيط الأمم المتحدة قد نجح في وقف إطلاق النار في فلسطين.
وأهم الخطابات خطابان: الأول إخطار بأن الحكومة المصرية قد منعت نشر كتاب «المعذبون في الأرض» وقررت مصادرته، والثاني بأن «الكوليج دي فرانس»، التي كانت قد دعت طه حسين للمحاضرة فيها خلال عام 1949، قد قررت سحب دعوتها له.
ويقول طه حسين في سخرية هادئة: «ومع ذلك فإن الكوليج دي فرانس إنما يميزها تاريخها الطويل في مقاومة اضطهاد الحكومات للعلماء، العلماء الفرنسيين.» •••
وفي الشهر التالي، فبراير 1949، يصبح إبراهيم عبد الهادي باشا رئيسا للوزارة، بعد سلسلة حوادث خطيرة بدأت باغتيال رجل البوليس سليم زكي ومقتل النقراشي باشا ثم تولى إبراهيم عبد الهادي رياسة حزب السعديين. •••
وفي مستشفى الدكتور علي إبراهيم «الابن» في جاردن سيتي، في إبريل 1949، أصبح طه حسين جدا، رزقت أمينة بولدها «حسن الزيات»، في التاسع والعشرين من الشهر في الساعة السادسة مساء.
نامعلوم صفحہ