[9]
البحث الثاني
اعلم - وفقنا الله وإياك - أن الفقهاء والأصوليين يسمون الأحكام الخمسة الأول: أحكام تكليف، وهي في الحقيقة أحكام تشريف، وبيانه أن الله تعالى خلق الإنسان من جسم كثيف وروح ملكي شريف، وأنزل الأمراض الجسمانية، وأنزل لها الدواء، وحرك داعية الأطباء التي تعرف الدواء وكيفية المداواة. قال الإمام فخر الدين رحمه الله: في هذا الجسم خمسة آلاف منفعة، وإزاء كل منفعة مرض، وإزاء كل مرض دواء، فمداره على خمسة عشر ألفا، ثم إن الله تعالى أنزل الأمراض الروحانية وأنزل لها الدواء، وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ليعرفوا الناس تلك الأمراض وكيفية أدويتها، فالأمراض النفسانية هي المعاصي، فإنها تسود القلب وتصيره مظلما كربا، والعبادات صقال لمرآة القلب، ورأس الأمراض الجسمانية أكل الشهوات، وأصل الدواء الحمية، وأصل الأمراض النفسية اتباع الهوى، وأصل المداواة مخالفته، إذا علمت ذلك فالعبادات إنما هي أدوية لأمراض القلوب، وإن الله تعالى أنزلها رحمة للعباد، وصقالا لمرآة قلوبهم ليتوصلوا بذلك إلى محل أنسه وسكنهم في حظيرة قدسه، قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: الذكر مع حضور القلب ينوره، فإذا عرفت ذلك عرفت أن الله تعالى لم يأمر عباده بالعبادات إلا ليشرفهم بها لا لاحتياجه إليها، فإنه لا ينتفع بها ولا يتضرر بالمعاصي، وقد وقعت فتيا بالديار المصرية في تارك الصلاة إن تاب هل يلزمه قضاؤها أو لا؟ فأفتى بعض الفقهاء السقوط عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((التوبة تجب ما قبلها))، وأفتى عز الدين رحمه الله تعالى بوجوب القضاء؛ لأن التكاليف تشاريف، وإنما يسقط عنه إثم التأخير خاصة.
[9]
***
صفحہ 6