بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الفقيه الإمام العالم المتقن الورع، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن راشد البكري المالكي رضي الله عنه:
الحمد لله الذي من علينا بكتابه العزيز وشرفنا به، ووفقنا لتلاوته ولفهم معانيه، وأرشدنا لامتثال أوامره واجتناب نواهيه، نحمده جل وعلا لكماله وأفضاله، ونشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأخيار، وصحبه السادة الأبرار، ما هطلت الأنوار، وما تعاقب الظلام والضياء، بعث صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وسراجا منيرا للهادين المهتدين، فألفى الناس بددا فوضا عيونا عمياء وقلوبا مرضى، فأوضح المشكلات، وأزال الشبهات، وبين الحلال والحرام، وأزاح عن القلوب الغمة بعد أن تمكن منها الداء العضال، ولما بلغ الرسالة وأدى الأمانة، رفعه الله تعالى إلى محل أنسه، وأسكنه في حضرة قدسه، جمع الله شملنا به في ذلك المقام، ورزقنا عملا صالحا نتوصل به إلى دار السلام.
ولم يورث صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، وإنما ورث العلم وحض عليه، وقال: ((تعلموا العلم وعلموه الناس، فإني لم أبعث إلا معلما)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث...))، فذكر منها: ((علما ينتفع به)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((بين العالم والعابد مائة درجة تطوى بالجواد المضمر سبعين سنة)).
وفي حديث يقول الله تعالى يوم القيامة: ((يا معشر العلماء، إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم، ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم)).
وسمعت الشيخ ناصر الدين رحمه الله تعالى يقول: أبو السيادة أفضل من أبي
[5]
***
صفحہ 2
[6]
الولادة، فإن الله تعالى أمر آدم عليه السلام أن يعلم الملائكة الأسماء، فلما علمهم حصل له عليهم فضل المعلم على المتعلم، فأمرهم بالسجود له، قال: فأمر بالسجود لأب الإفادة ولم يأمر به لأب الولادة، فدل على أن أب الإفادة أفضل.
وقال القاضي سند رحمه الله تعالى: لو لم يكن للعلم فضيلة إلا كونه شرطا للإلوهية فمن ليس بعالم ليس بإله.
وقد رجوت من الله أن يحشرني مع العلماء، وأن أضرب في أجورهم بوفر أو أحظى منه ولو بمثل قلامة ظفر، فإن الله تعالى أجرى على يدي تصانيف في فنون شتى تقرب من الستين مجلدا في القالب الصغير، وقد سار ذكرها بحمد الله في المشرق والمغرب، ووصل إلى أناس من جهات برسم نسخها، ولما رأيت نهار الشيب قد تجلى، وليل الشباب شمر ذيله فرقا وولى، رغبت في وسيلة أختم به عملي وأنتفع بها إن شاء الله تعالى عند حلول أجلي، فوضعت هذا المختصر ورتبته ترتيبا لم أسبق إليه، لينتفع به المبتدى ويستبصر به المنتهي، وسميته: ((لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب)).
ورجوت أن ينتشر انتشار الخبر المتواتر، وأن يستوي في طلبه البادي والحاضر، لعلي أنال دعوة بسببه من رجل صالح يمحو الله تعالى بها زلتي ويبلغني منه أملي، والله تعالى المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[6]
***
صفحہ 3
[7]
ولنقدم قبل الخوض في الكلام أربعة أبحاث:
البحث الأول
في الحكم وأقسامه
والحكم: خطاب الله تعالى القديم المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير، واحترزنا بالقديم عن نصوص أدلة الحكم، فإنها حادثة وليست بحكم، وإلا لاتحد الدليل والمدلول، ويدخل في الاقتضاء اقتضاء الوجود، إما مع الجزم، وهو الوجوب، وإما عدمه، وهو الندب واقتضاء العدم، إما مع الجزم وهو الحرمة، وإما مع عدمه وهو الكراهة والتسوية بين الطرفين إباحة.
فالواجب: هو الذي يذم تاركه شرعا، ويثاب فاعله، ويسمى فرضا وحتما ولازما.
والمندوب: هو الذي يثاب فاعله ولا يذم تاركه، فإن كثرت أجوره وفعله النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعات وواظب عليه سمي سنة، وإن قلت أجوره ولم يفعله في الجماعات سمي نافلة، وإن توسط بين القسمين سمي فضيلة.
والحرام: ما يذم فاعله ويحمد تاركه إن نوى بتركه امتثال الأمر.
والمكروه: هو الذي يحمد تاركه ولا يذم فاعله.
والمباح: هو ما لا يحمد فاعله ولا يذم تاركه، فإن نوى بفعله وجه الله تعالى كمن وطئ زوجته ليحصنها وليستدل بكمال تلك اللذة على كمال قدرة الله أثيب، وكذلك إذا أكل قصدا ليتقوى على العبادة.
وبالجملة: فكل مباح أو ترك حرام أو مكروه أريد بفعله أو تركه وجه الله تعالى فإنه يثاب عليه، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((نية المؤمن أبلغ من عمله)).
ثم الخطاب قسمان: خطاب تكليف، وهو الأحكام الخمسة المذكورة، وخطاب وضع، وهو خمسة أيضا: نصب الأسباب، والشروط، والموانع، والتقديرات، والحجج.
فالسبب: هو الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدمه من حيث هو سبب وهو مناسب في نفسه، وذلك كالزوال في الصلاة والنصاب في الزكاة.
والشرط: هو الذي يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده شيء من
[7]
***
صفحہ 4
[8]
حيث هو شرط ومناسبته في غيره، وذلك كالطهارة في الصلاة والحول في الزكاة.
ثم الشرط أربعة أقسام: شرعي كالطهارة والستارة، وعقلي كالحياة مع العلم، وعادي كالغذاء للحيوان، ولغوي كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق.
والمانع: هو الذي يلزم من وجوده عدم الحكم، ولا يلزم من عدمه شيء من حيث هو مانع، كالنجاسة بالنسبة إلى الصلاة، والدين بالنسبة إلى الزكاة.
والتقدير: هو إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود.
والأول: كوجود الماء عند المريض الذي لا يقدر على الوضوء به.
والثاني: كقول الرجل: أعتق عبدك عني، فأعتقه عنه، فولاء العبد للمعتق عنه، ويقدر أنه دخل في ملكه عتقه ليصح ولاؤه، ولا يكاد باب من أبواب الفقه يخلو عنه، لا سيما باب السلم، فإنك تقول: في ذمة فلان لفلان كذا من قمح مثلا، والذمة معنى كلي يقبل الإلزام والالتزام، والأجسام لا تثبت في المعاني، فذلك من باب التقدير.
والحجاج: البينة والإقرار إذا قامت بينة عند القاضي، فإنه يجب عليه الحكم بها وهي في الحقيقة راجعة إلى السبب.
إذا تقرر هذا، فكل ما كان من الأحكام التكليفية له سبب وشرط ومانع، فإنه يوجد عند وجود سببه وشرطه وانتفاء مانعه، ويعدم عند عدم سببه وشرطه ووجود مانعه وما يقع من خلاف في إحدى الصور، فالخلاف في سببية السبب أو شرطية الشرط أو مانعية المانع، وقد يتفق على سببية السبب وشرطية الشرط، ويختلف هل وقع ذلك في محل النزاع أو لا، وعن هذا يعبر ابن بشير بأن الخلاف في شهادة. وإذا تأملت ذلك ظهر لك سبب الاتفاق والاختلاف، فاحتفظ بهذا الأصل فإنه جيد جدا.
[8]
***
صفحہ 5
[9]
البحث الثاني
اعلم - وفقنا الله وإياك - أن الفقهاء والأصوليين يسمون الأحكام الخمسة الأول: أحكام تكليف، وهي في الحقيقة أحكام تشريف، وبيانه أن الله تعالى خلق الإنسان من جسم كثيف وروح ملكي شريف، وأنزل الأمراض الجسمانية، وأنزل لها الدواء، وحرك داعية الأطباء التي تعرف الدواء وكيفية المداواة. قال الإمام فخر الدين رحمه الله: في هذا الجسم خمسة آلاف منفعة، وإزاء كل منفعة مرض، وإزاء كل مرض دواء، فمداره على خمسة عشر ألفا، ثم إن الله تعالى أنزل الأمراض الروحانية وأنزل لها الدواء، وبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ليعرفوا الناس تلك الأمراض وكيفية أدويتها، فالأمراض النفسانية هي المعاصي، فإنها تسود القلب وتصيره مظلما كربا، والعبادات صقال لمرآة القلب، ورأس الأمراض الجسمانية أكل الشهوات، وأصل الدواء الحمية، وأصل الأمراض النفسية اتباع الهوى، وأصل المداواة مخالفته، إذا علمت ذلك فالعبادات إنما هي أدوية لأمراض القلوب، وإن الله تعالى أنزلها رحمة للعباد، وصقالا لمرآة قلوبهم ليتوصلوا بذلك إلى محل أنسه وسكنهم في حظيرة قدسه، قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: الذكر مع حضور القلب ينوره، فإذا عرفت ذلك عرفت أن الله تعالى لم يأمر عباده بالعبادات إلا ليشرفهم بها لا لاحتياجه إليها، فإنه لا ينتفع بها ولا يتضرر بالمعاصي، وقد وقعت فتيا بالديار المصرية في تارك الصلاة إن تاب هل يلزمه قضاؤها أو لا؟ فأفتى بعض الفقهاء السقوط عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((التوبة تجب ما قبلها))، وأفتى عز الدين رحمه الله تعالى بوجوب القضاء؛ لأن التكاليف تشاريف، وإنما يسقط عنه إثم التأخير خاصة.
[9]
***
صفحہ 6
[10]
البحث الثالث
في بيان ما يعتبر من المصالح
اعلم وفقنا الله وإياك أن عناية الشرع بدرء المفاسد أكثر من عنايته بتحصيل المصالح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا))، ويجب أن تعلم أن فعل السيئة يجر إلى فعل السيئة، وكذلك فعل الحسنة، قال عز من قائل: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} [الليل: 5 - 10]، فإذا فعل العبد معصية حصلت في قلبه نكتة سوداء كالمرآة الصقيلة إذا حصل فيها نقطة من الخل، فإن تلافاها بالتوبة زالت، وإن زاد معصية أخرى جرته إلى أخرى إلى أن تسود مرآة القلب، فيخشى عليه أن يختم عليه بالكفر والعياذ بالله تعالى. قال عز من قائل: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله} [الروم: 10] الآية، وقال عز من قائل: {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 77]، وإذا فعل الحسنة استنار قلبه، وبعثه ذلك على حسنة أخرى إلى أن يستنير قلبه ويصلح أن يكون محلا لملك الملوك كما روي في الخبر أن الله تعالى قال: ((لا تسعني سماواتي ولا أرضي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن)).
ثم إن المصالح ثلاثة أقسام: قسم اعتبره صاحب الشرع فهو معتبر إجماعا. وقسم ألغاه فهو ملغي إجماعا كالمنع من زراعة العنب خشية أن يعصر خمرا. وقسم ما اعتبره بعينه ولا ألغاه، ولكن اعتبر المصلحة من حيث إنها مصلحة، وهذا هو المعبر عنه بالمصلحة المرسلة، وبها قال مالك رحمه الله، ولذلك قال مالك بتضمين الصناع.
وإذا اعتبرت أبواب الفقه وجدتها كلها شرعت لمصلحة، غير أن تلك المصلحة تارة نعرفها كما عرفنا وجوب إطعام الجيعان إذا أشرف على الموت، وتارة لا نعرفها وكن نجزم باشتمال ذلك الحكم على المصلحة طردا لقاعدة الشرع في اعتبار المصالح، فخص الله تعالى وجوب الظهر بزوال الشمس دون ما قبله وما بعده لحكمة استأثرها، وقد ذكرت في أول كل كتاب حكمة مشروعيته، والله تعالى الموفق للصواب بمنه.
[10]
***
صفحہ 7
[11]
البحث الرابع
في بيان ترتيب هذا المختصر
اعلم - وفقنا الله وإياك لطاعته - أني سلكت في كتابي الكبير وهو (الفائق في معرفة الأحكام والوثائق)، وفي كتاب (المذهب في ضبط مسائل المذهب) مسلكا لم اسبق إليه إذا تأمله من له أدنى فكرة عرف موضع المسألة التي يطلبها، وسلكت ذلك أيضا في هذا المختصر، وربما وقع هذا أحسن، وبيان ذلك أن كل كتاب من كتب الفقه له أركان يعرفها الإنسان بعقله، وكل مسألة وقعت أو تقع فإنها تدخل تحت ركنها، وما لا يقع في الأركان مثل الذي يقع بعد كمال حقيقة ذلك الشيء، فإنني أعمله في اللواحق، مثال ذلك أن النكاح مثلا أركانه خمسة: الصيغة، والزوج، والزوجة، والولي، والصداق، فكل مسألة تتعلق بالزوج مذكورة في ركن الزوج وكذلك سائرها، ولا ما لا يقع في الأركان، وإنما يقعد بعد العقد كالرد بالعيب، واختلاف الزوجين في متاع البيت، وفي قدر الصداق، وفي الوليمة وأجرة الخلوة، وما أشبه ذلك، فأذكره في اللواحق، وهكذا افعل في كل كتاب، وقد انضبط المذهب بهذا المعنى انضباطا حسنا، والحمد لله.
[11]
***
صفحہ 8
[12]
كتاب الطهارة
وهي بفتح الطاء الفعل، وبضمها فضل ما يتطهر به، وقد وردت تارة في إزالة الأدناس الحسية، وتارة في إزالة الأدناس المعنوية، فوجب أن نجعل حقيقة في القدر المشترك، وهو مطلق النقي من الدنس دفعا للمجاز والاشتراك.
وهي قسمان: عينية وحكمية، فالعينية: إزالة النجاسة، والحكمية: ثلاثة أنواع: وضوء، وغسل، وبدل منهما، وهو التيمم، ويلحق في البدلية المسح على الخفين، وعلى الجبيرة.
حكمها: أما العينية، فستأتي في محلها إن شاء الله تعالى، وأما الحكمية، فهي واجبة بنص الآية عند وجود السبب والشرط وانتفاء المانع، فالسبب إرادة الصلاة أو مس المصحف أو نوم الجنب على أحد القولين، والشرط أهلية التكليف، والمانع كالحيض والنفاس، وهي شرط في صحة الصلاة، وقد أبعد من رآها شرطا في الوجوب، وإن كان لا يوجد نص ولو كانت شرطا في الوجوب لما عصى أحد بترك الصلاة، لكن العصيان واقع بالإجماع ، فلا يكون شرطا في الوجوب.
حكمة مشروعيتها: تدريب النفس على مكارم الأخلاق والتأدب مع الملك الخلاق، إذ ينبغي للعبد أن يقف بين يدي مولاه حسن الهيئة، طيب الريح، خليا عن الوصف القبيح، وهي مراتب أولها طهارة الظاهر عن الأدناس الحسية والمعنوية، وطهارة الجوارح عن الآثام والأجرام، وطهارة الصدر عن الأخلاق الذميمة، كالغل والحسد وما أشبه ذلك، وطهارة القلب بإخراج ما سوى الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى: {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 89].
ولنبدأ أولا بالوضوء، ثم الغسل، ثم التيمم والمسح على الخفين وعلى الجبيرة، ثم بإزالة النجاسة، ثم باللواحق، وهي هاهنا الأحداث، فإن الفقهاء يسمونها نواقض، وما ينقض الشيء غير داخل في ماهيته، ويتصل بذلك موانع الحدث.
[12]
***
صفحہ 9
[13]
الوضوء
وهو بفتح الواو الماء، وبضمها الفعل.
أركانه:
أربعة: المزيل، والمزال، والمزال عنه، وكيفية الإزالة.
فالمزيل: هو الماء، وهو من حيث هو ماء طهور، ويقسم بحسب مخالطه أربعة أقسام: قسم خالطه طاهر غير أحد أوصافه، فإن كان من قراره كالحمأة، أو متولدا عنه كالطحلب، فهو طهور، وألحق صاحب البيان والتقريب به الدهن، وكذلك المتغير بالمجاور، وكذلك التراب المطروح على المشهور، وفي الملح ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين المعدني والمصنوع، وفيه نظر؛ لأنه إما ماء أو تراب، وكلاهما غير مؤثر ولا اعتبار بكونه مطعوما؛ لأنه إذا انحل صار كماء البحر، وقسم خالطه طاهر لم يغير أحد أوصافه، فإن كان كثيرا فهو طهور باتفاق، وهو ما لا يتمارى في كثرته، وكذلك إن كان قليلا، فذهب ابن القاسم إلى كراهته، وفيه بعد، والمستعمل في الحدث طهور، وكره للخلاف؛ لأن أبا حنيفة يقول بنجاسته، وأصبغ يقول بعدم طهوريته، وفيه نظر؛ لأن القول بكراهيته مع القول بجواز الصلاة إذا توضأ به مما لا يجتمعان؛ لأن المكروه لا يثاب فاعله، والواجب يثاب فاعله، فما لا يثاب فاعله لا يكون واجبا، وما لا يكون واجبا لا يسد مسد الواجب، وقيل: مشكوك فيجمع بينه وبين التيمم، وفيه نظر؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشك في الوضوء، والوضوء إذا وقع الشك في صحته لم تجز به الصلاة، وفيه أيضا التردد في النية، وقسم خالطه نجس غير أحد أوصافه فهو نجس، فإن زال ذلك التغير فقولان بناء على أن العلة إذا ذهبت ذهب معلولها، أو أن الحكم بعدم طهوريته قد ثبت، والأصل استصحاب الحال، وأطلق القول ابن الماجشون بطوريته ما تغير ريحه خاصة، وحمل على المتغير بالمجاورة لا بالحلول. وقسم خالطه نجس لم يغير أحد أوصافه، فإن كان كثيرا لم يغير فهو طهور باتفاق، وإن كان قليلا فالمشهور أنه مكروه ويدل عليه ما تقدم، وقيل: نجس.
تنبيه: ليس في المذهب نص في تمييز القليل من الكثير، ووقع لابن رشد أن
[13]
***
صفحہ 10
[14]
القليل ما يتوضأ به يقع فيه القطرة من البول وقدر القصية يتوضأ فيها الجنب، وأما الجاري فحكمه كالكثير، قاله في المدونة، وزاد ابن الحاجب: إذا كان المجموع كثيرا والجرية لا انفكاك لها ومراده: جميع ما في الجرية واحترز بعدم الانفكاك عن ميزاب السانية.
المزال: وهو عين الخبث، وحكم الحدث.
المزال عنه: الجسد والثوب والبقعة.
كيفية الإزالة: وهي الإتيان بالفرائض والسنن والفضائل واجتناب المكروهات على الصفة المعلومة.
الفرائض:
ستة: النية، وهي صفة ترجح أحد الجائزين على الآخر، شروطها ثلاثة: أن تكون جازمة، وأن تتعلق بفعل الإنسان نفسه، وأن تكون مقارنة لأول أزمنة الفعل، وأجاز ابن القاسم تقدمها عندما يأخذ في أسباب الفعل، كالسير إلى الحمام وإلى النهر، ووافقه سحنون على النهر خاصة.
كيفية تعقلها: أن ينوي رفع الحدث، أو ما يستلزم رفعه عند غسل الوجه، وقيل: عند غسل اليدين، وغسل جميع الوجه بنقل الماء إليه مع الدلك على المشهور، وحده طولا: من منابت الشعر المعتاد إلى آخر الذقن، وعرضا من الأذن إلى الأذن، وقيل: من العذار إلى العذار، وقيل بالأول في نقى الخد، وبالثاني في ذي الشعر الملتحي، ويجب تخليل خفيف الشعر دون كثيفه، وغسل اليدين إلى المرفقين، وقيل: دونهما، وهما على الخلاف في الغاية هل تدخل في المغيا، وفيها أربعة أقوال يفرق في الثالث بين أن تتميز جنسا فلا يدخل وإلا دخلت. الرابع: إن كان من جنس المغيا دخلت وإلا فلا، ومسح جميع الرأس للرجل والمرأة وما استرخى من شعرها، وحده من مبدأ الوجه إلى ما تحوزه الجمجمة، وقيل: آخر منابت القفا، ولو مسح بعضه لم يجزه، وقيل: يجزيه الثلثان، وقيل: الثلث، وغسل الرجلين إلى الكعبين، وقيل: دونهما، وهما على الخلاف في الغاية، والكعبان: هما الناتئان في طرفي الساقين، وقيل: معقد الشراك، والأول أصح؛ لقوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] وأرجل اسم جنس أضيف، فيعم، والعام يقع فيه الحكم على كل فرد فرد، فيكون التقدير: اغسلوا
[14]
***
صفحہ 11
[15]
كل رجل إلى الكعبين، وهذا يقتضي أن يكون في كل رجل كعبان، وكل من قال أن في كل رجل كعبين، قال: هما الناتئان في طرف الساقين، وفي تخليل أصابعهما الوجوب والندب والإنكار، وأما أصابع اليدين ففيهما الوجوب والندب خاصة والموالاة، وقيل: سنة، والتفريق اليسير مغتفر وفي الكثير خمسة أقوال يفرق في الثالث بين العمد والنسيان، فإن أخر حين ذكر فكالمتعمد ابتداء والرابع يفسد إلا في الرأس خاصة، والخامس وفي الخفين، فإن فرق لعجز الماء ولم يطل بنى.
السنن:
ستة: غسل يديه قبل إدخالهما الإناء، وفي كونه للعبادة أو للنظافة، قولان لابن القاسم وأشهب، والمضمضة وأصلها التحريك والتردد، ويدخل أصبعيه ويدلك بهما أسنانه، وذلك من ناحية السواك، والاستنشاق، وهو أن يجذب الماء بأنفه وينثره بنفسه وإصبعيه، ويبالغ غير الصائم، ويستنشق ثلاثا كالمضمضة، ومسح أذنيه بماء جديد ظاهرهما بإبهاميه وباطنهما بإصبعيه ويدخلهما في صماخيه وفي وجوب ظاهرهما قولان، وهما: مما يلي الرأس، وقيل: مما يواجه، وشبهت الأذن بالوردة، فمن اعتبرها قبل انفتاحها قال: الظاهر مما يلي الرأس، ومن اعتبرها بعد انفتاحها قال: ما يواجه، وللشيخ ابن المنير رحمه الله في المعنى:
الأذن كالوردة مفتوحة = فلا يمرن عليها الخنا
فإنه أنتن من جيفة = واحذر على الوردة أن تنتنا
ورد اليدين من مؤخر الرأس إلى مقدمة ابن القصار، ولو بدأ المسح من المؤخر لكان المسنون أن يبدأ من المقدم إلى المؤخر، والترتيب على المشهور، وقيل بوجوبه كقول الشافعي، وقيل : واجب مع القدرة، وعلى المشهور لو نكس عامدا فقولان، كمتعمد ترك السنن، وفيه نظر؛ لأن سنن الصلاة آكد، وإن نكس ناسيا أعاد بحضرة الماء، فإن تباعد، فقال ابن القاسم: يعيد المنكس وحده خاصة، وقال ابن حبيب: يعيده وما بعده.
الفضائل:
خمسة: التسمية، وروي عن مالك رحمه الله تعالى إباحتها، والسواك ولو بإصبعيه، ويتوقى الصائم ما فيه رطوبة، والتكرار في المغسول؟، والبداية من الميامن
[15]
***
صفحہ 12
[16]
والبداءة من مقدم الرأس.
المكروهات:
ستة: الإكثار من صب الماء، وليس فيه تحديد، وقيل: الأقل في الوضوء قدر المد، وفي الغسل قدر الصاع إلى خمسة أمداد، والواجب الإسباغ، والوضوء في الخلاء، وكشف العورة، والكلام في أثنائه بغير ذكر الله تعالى، والزيادة على الثلاثة في المغسول، وعلى الواحدة في الممسوح، والاقتصار على الواحدة لغير العالم، فإن شك في الثالثة ففي الإتيان بها قولان للمتأخرين، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى أن تخليل اللحية من المكروهات.
الاستنجاء
وهو إزالة ما على المخرجين من الأذى بالماء، فإن إزيل بالحجر سمي استجمارا.
آدابه:
عشرة: الإبعاد والتستر، وأن لا يجلس على جحر ولا مهواة، واجتناب الملاعن وهي الطرق والظلال والشاطئ والماء الراكد. وإعداد المزيل، وأن يستعيذ بالله من الخبث والخبائث قبل دخوله المحل، وفيه إن كان غير معد له وفي المعد له قولان، فإن كان في إصبعه خاتم فيه نقش اسم الله تعالى لم يستنج به على الأصح، والجلوس، وأن لا يرفع ثيابه حتى يقرب من المحل، ويجوز البول قائما إن أمن التطائر، وأن لا يتكلم، وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها في الصحراء، فإن كان في مرحاض مسح بساتر أو غيره جاز، فإن كان ساترا خاصة فقولان، ويتعين الماء للمني، وكذلك المذي على الأصح، وما عدا ذلك تكفي فيه الأحجار، وقال ابن حبيب: ترك العمل بالاستجمار فلسنا نجيز ذلك اليوم، إلا لمن عدم الماء، ويبدأ بالقضيب فينتثره ويسلته من غير مبالغة، ثم يغسل يده اليسرى، ثم محل البول، ثم الآخر، ويوالي الصب حتى ينقى ويكفي في البول غسل محل الأذى، وفي المذي قولان، وإذا قلنا بغسل جميعه، ففي النية قولان، وفي تعيين ثلاثة لكل مخرج قولان
[16]
***
صفحہ 13
[17]
وعلى التعيين في حجر ذي ثلاث شعب قولان، وفي إمرارها على جميع المحل أو لكل صفح واحدة وواحد للوسط قولان، والخلاف في حال، وإذا ترك الاستنجاء والاستجمار عامدا أعاد الصلاة أبدا، وإن تركهما ساهيا فروى ابن القاسم يعيد في الوقت، وقال أشهب: لا إعادة عليه.
الغسل
يجب على الرجال بأمرين:
الأول: الجنابة، وتكون بأمرين: إنزال الماء الدافق المقارن للذة المعتادة في يقظة أو نوم، فإن خرج بغير لذة أو بلذة غير معتادة، فقولان: الوجوب اختيار سحنون وابن شعبان، وإذا قلنا: لا يجب، ففي إيجاب الوضوء قولان.
الثاني: مغيب الحشفة، أو مثلها من مقطوع في أي فرج كان والمرأة وفي البهيمة مثله.
الثالث: الإسلام، وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل، فقيل: تعبد، وقيل: لأنه جنب، وهو المشهور، وعليهما ينبني غسل من لم يتقدم له جنابة، ورأى القاضي إسماعيل أنه مستحب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام يجب ما قبله))، وليس كذلك، وألزم الوضوء ولا يلزمه.
ويجب على المرأة بما ذكرنا وبالنقاء من الحيض والنفاس بخلاف الاستحاضة، ثم قال: تتطهر أحب إلي.
أركانه:
كالوضوء، المزيل: هو الماء الطهور ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم، وإن غسل الأذى للحدث.
المزال: حكم الحدث.
المزال عنه: جميع الجسد.
كيفية الإزالة: هي الإتيان بالواجب والسنن والفضائل واجتناب المكروهات.
[17]
***
صفحہ 14
[18]
فالواجب:
غسل جميع الجسد والموالاة والنية والمضمضة والاستنشاق ومسح داخل أذنيه والباطن هنا الصماخ وتخليل اللحية وقيل: فرض.
وفضائله:
التسمية وغسل يديه قبل إدخالهما في الإناء وغسل ما به من الأذى ثم الوضوء قبله ثم يغرف على رأسه ثلاثا والبداية بالميامن.
المكروهات:
كالوضوء وفي تأخير غسل الرجلين ليكون قد بدأ بالأفضل وختم بالأفضل ثلاث يفرق الثالث، فإن كان موضعه وسخا أخرهما، وإلا فلا، وعلى تأخيرهما، ففي رأسه قولان.
تنبيه: إن نوى بوضوئه أنه من غسل الجنابة لم يمر يديه عليهما ثانيا، وإن نوى الفضيلة وجب عليه أن يمر يديه عليهما ويتصل بما نحن فيه.
ذكر الحيض والنفاس وأحكامهما
والحيض: دم يخرج من فرج الممكن حملها عادة بغير علة غير زائد على العادة الشرعية أو العرفية من غير ولادة، فلا اعتبار بدم الصغيرة كبنت ست ولا بدم الآيسة كبنت السبعين. وقال ابن شعبان: وبنت الخمسين في العدة وفي اعتباره بالعادة قولان، والعادة الشرعية خمسة عشر يوما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي))، ولذلك قلنا أنه أكثر الحيض، وأقله في المعتادة غير محدود، وأكثر الطهر غير محدود، وأقله خمسة عشر يوما على المشهور، والنساء مبتدئة ومعتادة وحامل.
المبتدئة إن تمادى بها الدم مكثت خمسة عشر يوما، وروى ابن نافع تنظر لعادة أندادها وهن ذوات أسنانها، وروى ابن وهب وتستظهر بثلاث.
المعتادة إن تمادى بها، فإن كانت عادتها خمسة عشر يوما طهرت عند تمامها من غير استظهار على المشهور، وإن كانت عادتها أقل، فقال في المدونة: تمكث خمسة
[18]
***
صفحہ 15
[19]
عشر يوما، ثم رجع فقال: عادتها، وتستظهر بثلاث إن كان عادتها اثني عشر فأقل، فإن كانت عادتها أكثر لم تزد على خمسة عشر، وحكم أيام الاستظهار حكم أيام الحيض، وما بينها وبين الخمسة عشر، فهي طاهر، وقيل: تحتاط فتصوم وتقضي وتصلي ولا تقضي، ويمنع الزوج، ثم تغتسل ثانيا.
الحامل إذا تمادى مكثت قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس أول الحمل كآخره، وروي أشهب أنها كالحائل، والتي انقطع دمها، ثم عاد بعد طهر تام على الخلاف، فهو حيض، ومؤتنف وإلا فيضاف إلى الأول، فإذا لفقت من أيام الدم قدر عادتها مع الاستظهار أو بدونه أو بخمسة عشر على الخلاف المتقدم، فهي مستحاضة، ولا خلاف في ذلك إن كانت أيام الدم أكثر، فإن تساويا أو كانت أيام الطهر أكثر، فكذلك على المشهور. وقال ابن مسلمة: يكون أيام الطهر طهرا، وأيام الحيض حيضا حقيقة، ومتى ميزت المستحاضة بعد طهر تام حكم بابتداء حيض في المعتادة اتفاقا، وفي العادة على المشهور يرجع إلى النساء، وللطهر علامتنا: الجفوف والقصة البيضاء، وهو ماء أبيض كالقصة وهي الجيار.
والنفاس: دم الولادة، ومتى انقطع اغتسلت وصلت، فإن تمادى تربصت ستين يوما، قاله مالك، ثم رجع إلى العادة، ولو ولدت ولدا وبقي في بطنها آخر، فلم تضعه إلا بعد شهرين والدم متماد، فقال ابن القاسم: هي كحال النفساء ولزوجها رجعتها إن لم تضع الآخر، وقيل: كحال الحائض، فإن انقطع دمها ثم عاد، فإن كانت بعد طهر تام فهو حيض، وإلا فعلت كالتي انقطعت حيضتها.
المسح على الخفين
جائز للمسافر بلا خلاف، وكذلك للمقيم على الأصح بشروط ثمانية: أن يكون خفا فلا يمسح على الجوربين، فإن كانا مجلدين ففي جواز المسح روايتان ولا على الجرموقين، إلا أن يكون من فوقهما ومن تحتهما جلد مخروز، وأن يكون ساترا لمحل الوضوء، وأن يكون صحيحا فلا يمسح على المقطوع واليسير مغتفر وأن يلبسهما
[19]
***
صفحہ 16
[20]
وهو على طهارة، وأن تكون الطهارة بالماء دون التيمم، وأن تكون كاملة فلا يمسح من لبس أحد خفيه قبل غسل الرجل الأخرى، وأن يلبسهما للأمر المعتاد من دفع حر أو برد، فلا يمسح من لبسهما للحناء أو لنوم، وأن لا يكون عاصيا بلبسهما، فلا يمسح المحرم العاصي ولا المحرمة ولا تحديد في ذلك على المشهور، وله أن يمسح ما لم يحدث.
وصفته: أن يضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من قدمه اليمنى ويضع يده اليسرى تحت أطراف أصابعه من باطن خفه وتمرها إلى موضع الوضوء، وكذلك يفعل باليسرى. وقال ابن أبي زيد: يجعل يدجه اليسرى من فوق ولا يتبع الغضون ويزيل ما بأسفله من طين.
المسح على الجبيرة
وإذا أصابه جرح في أعضاء الوضوء أو في جسده وهو جنب مسح عليه بأن خشي من مس الماء مسح على الجبيرة وعلى ما شدت به إذا كانت لا تثبت ويلحق بذلك الفصادة يخاف من حلها والظفر يكسر مرارة والقرطاس على الجبيرة، وإذا ربط الجبيرة ولم تثبت أو لم يقدر على مسها أو لم يكن ربطها وكانت في أعضاء التيمم غسل ما عداها وكان كعضو سقط وإن كان في غيرها تيمم وتركه ، وقيل: يغسل ما صح والمتفرقة، فإن كانت في الأكثر تيمم، وقيل: يغسل ما صح ويتيمم للخروج من الخلاف.
تنبيه: الأبدال في الشريعة خمسة: بدل الشيء من الشيء في المشروعية كالجمعة بدل من الظهر، وبدل الشيء في جميع أحكامه كخصال الكفارة، وبدل الشيء في بعض أحكامه كالتيمم، فإنه لا يرفع الحدث، وبدل الشيء من الشيء في محله كالمسح على الخفين وخاصيته إذا ظهر المبدل بطل حكم البدل، فلو نزع الخفين وجب عليه غسل الرجلين إن برئ الجرح وإلا أعاد المسح والصلاة إن جرى ذلك فيها وبدل الشيء من الشيء في بعض حالاته كالعزم بدل من تعجيل الظهر.
[20]
***
صفحہ 17
[21]
التيمم
التيمم: طهارة ترابية تفعل مع الاضطرار دون الاختيار شرطها عدم الماء حسا أو شرعا كالمريض الذي لا يقدر عليه، وكالذي يخاف أن يمشى إليه على نفسه أو على ماله لا يجده غاليا ثمنه والمشتغل بنزع الماء من البير يخشى فوات الوقت على المشهور.
أركانه: أربعة: المتيمم به، والمتيمم له، ووقت التيمم، وصفة.
المتيمم به: التراب المنبت بلا خلاف، ويلحق به عندنا على المشهور كل ما تصاعد على الأرض من جنسها ما لم تدخله صنعة.
المتيمم له: الصلوات المكتوبة بلا خلاف، واختلف في الجمعة وسائر الفرائض للحاضر الصحيح إذا خشي فواتها، والمشهور التيمم، ويتيمم المريض والمسافر لكل ما يشترط فيه الوضوء في تجديد سفر التيمم كالقصد قولان، ويشترط أن يكون مباحا على الأصح، وأما الحاضر الصحيح، فلا يتيمم لنافلة، ولا للسنن على الكفاية كالعيدين والجنازة على المشهور ولا للسنن على الأعيان ولو وترا وركعتي الفجر، فإن تعينت الجنازة فكالفرض على الأصح.
الوقت: ولا يتعين عليه الطلب إلا بعد دخول الوقت ويطلبه طلبا لا يشق بمثله. قال مالك: من الناس من يشق عليه نصف الميل، فإن كان في رفقة نحو الثلاثة طلبهم إن علم أنهم لا يمنون به لقرب السفر، وإن كانوا أكثر فلا، وإن لم يطلبهم أعاد أبدا، ثم إذا طلب ولم يجد وكان آيسا يتيمم أول الوقت، وإن كان راجيا يتيمم آخره، وإن كان مترددا يتيمم وسطه، ثم إن وجد الماء قبل الصلاة بطل وإن صار عليه في الصلاة، فلا يقطع إلا أن يذكره في رحله، وقيل: لا، وإن كان بعد الصلاة، وكان تيممه في الوقت المعين له لم تبطل، فإن كان معه بعض تقصير أعاد في الوقت، وقيل: أبدا كالمريض العادم المناول والمطلع عليه بقربة والخائف من لصوص أو سباع وناسي الماء في رحله ثلاثة يفرق في الثالث، فيعيد في الوقت، قاله ابن القاسم.
صفته: أن يضرب الأرض بيديه ثم ينفضهما نفضا خفيفا، ثم يمسح بهما وجهه
[21]
***
صفحہ 18
[22]
ثم يضربهما ويضع يده اليسرى على أطراف أصابع يده اليمنى من فوق الكف، ثم يمرهما إلى المرفق، ثم يديرهما من تحته ويديرهما إلى الكوعين، ثم يفعل باليسرى كذلك، ثم يمسح كفيه ويخلل أصابعه وينزع الخاتم والنية والموالاة والترتيب كالوضوء، لكنه ينوي استباحة الصلاة محدثا أو جنبا لا رفع الحدث، فإنه لا يرفعه على المشهور وهو مشكل؛ لأن المراد من الحدث إنما هو المنع من الصلاة لا نفس الخارج، فإنه واقع لا يرتفع والأولى أن يقال: إنه يرفعه إلى غاية وجود الماء وهو اختيار شيخنا شهاب الدين القرافي رحمه الله تعالى، وإذا نوى فرضا صلى بعده من النفل ما شاء، ولو فعل ذلك قبل صلاة أعاد تيممه، فإن لم يفعل ففي إعادته بعد الوقت قولان، وإن نوى نافلة لم يصل به فريضة وصلى من النفل ما شاء وفيمن لم يجد ماء ولا ترابا أربعة أقوال. قال ابن القاسم: يصلي ويقضي، لا يصلي ولا يقضي، قاله مالك، يصلي ولا يقضي قاله أشهب، عكسه لأصبغ.
إزالة النجاسة
واجبة مع الذكر والقدرة دون العجز والنسيان على المشهور، وقيل: سنة، وقيل: واجبة، والعلة الاستقذار.
وأركانها: كالوضوء.
المزيل: الماء الطهور على المشهور، وقيل: يجوز بكل قلاع كالخل وبالماء المضاف وفي الجلد الدباغ، وفي ناب الفيل الصلق على أحد الأقوال، وفي البير يقع فيه دابة ولها نفس سائلة، فيتعين فيه النزح، فإن لم يتغير كان النوح مستحبا ولا حد للدلاء وينبغي أن ترفع ناقصة.
المزال: عين النجاسة وأثرها.
المزال عنه: إن كان المراد الصلاة فالثوب والبدن والمكان، وإن كان المراد الانتفاع بالأكل والبيع وغير ذلك، فلا بد من تمييز الطاهر من النجس.
وقد انقسمت الأعيان بحسب ذلك ثلاثة أقسام: قسم اتفق على طهارته، وقسم
[22]
***
صفحہ 19
[23]
اتفق على نجاسته، وقسم اختلف فيه.
القسم الأول: الأرض وجواهرها ومعادنها والحيوان عدا الخنزير والكلب والمذكي المأكول وما انفصل من لبن المباح في حال الحياة، إلا ما يأكل الجيف، وكذلك العرق ونحوه وبول المباح وروثه إن خرج وهو حي، وكذلك البيض، وإن خرج من ميتة إلا أن يكون رطبا، وكذلك الريش والشعر والوبر، وإن أخذ من ميتة وميتات البحر وما لا نفس له سائلة من دواب البحر، وتحرم أواني الذهب والفضة ليست لنجاستها، بل للسرف، ولا خلاف في تحريم استعمالها، وكذلك اقتناؤها على الأصح.
القسم الثاني: البول والعذرة من الآدمي الذي يأكل الطعام، ومن المحرم الأكل والدم المسفوح عدا دم السمك، وكذلك القيح والصديد والمذي والودي، وكذلك المني والعلة خروجه من محل البول، وقيل: لأن أصله دم وعليهما ينبني الخلاف في مني المباح والمكروه ولبن الخنزيرة ولحمها وشحمها وألقى المتغير عن حال الطعام، وقيده اللخمي بما إذا شابه أحد أوصاف العذرة.
القسم الثالث: الخنزير والكلب، والمشهور طهارة عينهما وشعرهما طاهر، وقيل: لا، والخمر، وقال ابن لبابة بطهارتهما وميتة الآدمي، والقول بنجاستها لابن القاسم، وأشار المازري إلى التفرقة بين المسلم والكافر، وما يعيش في البر من ميتات البحر طاهر على المشهور، وقرن الميتة وظفرها وسنها نجس، وقيل بالفرق بين طرفها وأصلها، وقيل بالطهارة كلها، وفي ناب الفيل قول رابع بطهارته بالصلق وبول المباح الذي يصل إلى النجاسة نجس على المشهور، وكذلك من لم يأكل من الطعام من الآدمي وبول ما هو مكروه كالفارة مكروه، وقيل: نجس، وفي لبن ما عدا الخنزير والمباح والآدمي مباح، والنجاسة والكراهة في المحرم وفي طهارة لبن الجلالة وبيضها والمرأة الشاربة للخمر وعرق السكران، قولان، والمشهور طهارة الخل المنقلب عن الخمر بالمحاولة، وفي جلد الميتة إذا دبغ ثلاثة أقوال المشهور أنه يطهر طهارة خاصة في اليابسات، والماء وحده، ولا يباع ولا يصلى به ولا عليه، وفي جلد المذكي من المحرم الأكل قولان ولا يختلف في جلد الخنزير وتوقف رحمه الله تعالى في الكيمخت وهو جلد البغل والفرس والحمار إذا علمت الطاهر من النجس بانفراده وجب أن تعلم حكم اختلاطهما، فأما الماء فقد تقدم حكمه، وأما الطعام فإن كان جامدا كالعسل والسمن
[23]
***
صفحہ 20
[24]
الجامدين ألقيت، وما حولها بحسب طول مكثها وقصره، وإن كان مائعا يسيرا طرح جميعه، وإن كان كثيرا والنجاسة قليلة طرح على المشهور، وسؤر ما عادته استعمال النجاسة إن ريئت في فيه نجاسة عمل على حلولها فيما شرب منه، وإن لم تر وعسر الاحتراز منه كالهرة والفارة فمغتفر، وإن لم يعسر كالدجاج والأوز المخلاة فالغالب الحلول، والأصل عدمه، فقدم في المدونة الأصل في الطعام لحرمته ولم يؤمر بإراقته وقدم الغالب في الماء لجواز طرحه، فإن توضأ به وصلى أعاد في الوقت خاصة؛ لأن الصلاة لها حرمة، فقويت لحرمتها وصارت كحرمة الطعام، فاعتبر الأصل كما اعتبر في الطعام وأعمل الغالب أيضا في ثياب غير المصلى، وما يحاذي الفرج من غير العالم بالاستبراء وأعمل الأصل فيما ينسجه النصارى دون ما لبسوه، وانفرد سؤر الكلب بمعنى الحديث، وهو غسل الإناء من ولوغه سبعا، واختلف في العلة، قيل: للنجاسة، وقيل: للاستقذار، وقيل: لما يخشى من داء الكلب والسبع تستعمل في التداوي من السم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من تصبح على سبع تمرات عجوة لم يضره من ذلك اليوم سم))، وفي اختصاصه بالمنهي عن اتخاذه قولان.
كيفية الإزالة: ولا تخلو النجاسة أن تكون معلومة الحلو في المحل أو مشكوكة ثم معلومة الحلول إن كانت مما يعسر زوالها لتكررها فمعفو عنها كالدمل والجرح في الجسد والثواب، وكذلك يسير عموم الدم إن كان قدر الخنصر والدرهم على الخلاف في مقدار اليسير إذا رآه في الصلاة، وقيل مطلقا، وروى يسير الحيض ككثيره. وقال ابن وهب: ودم الميتة وإن كانت مما لا يعسر أزيلت بالصب والدلك حتى يذهب عينها وأثرها، فإن بقي طعمها لم يطهر المحل، وإن بقي لونها أو ريحها لعسر قلعه بالماء فمغتفر ولا يضر ما بقي في الثوب من بللها، فإنه جنس المنفصل وإن كانت غير متميزة المحل غسل الجميع، واختلف في طهارة الزيت النجس واللحم يطبخ بماء النجس والزيتون يملح بماء النجس والبيض يصلق مع نجس بيض أو غيره بناء على كمال الطهارة فيه أو لا، وفرق سحنون بين أن ينضح أو لا، وإن شك في إصابتها نضح إن كان في الثوب، وكذلك الجسد واستقرى الغسل من قوله ولا يغسل أنثييه من المذي إلا أن يخشى إصابتهما، فإن انضاف إلى الشك في الإصابة الشك هل هو طاهر أو نجس فلا شيء عليه، وكذلك إن شك في طهارته على
[24]
***
صفحہ 21