Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

احمد فرید d. 1450 AH
79

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

اصناف

نماذج من خوف الصحابة من الله ﷿ كان السلف ﵃ دائمي الخوف من الله ﷿، فكانوا مع اجتهادهم في طاعة الله ﷿ في غاية الخوف منه ﷿. فهذا أبو بكر ﵁ كان رجلًا أسيفًا، تقول عائشة ﵂: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا صلى لم يسمع الناس من البكاء. أي: أنها أشارت بأن لا يصلي أبو بكر بالناس لكثرة بكائه وتأسفه إذا صلى، مع أنه سبق الصحابة ﵃ إلى طاعة الله ﷿، فهو ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [التوبة:٤٠]. من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجيء الأول فكان ﵁ إذا صلى لا يكاد يسمع الناس من البكاء، وكان يقول: والذي نفسي بيده لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن. وهذا عمر ﵁ يسمع قوله ﷿: ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور:١ - ٨]. فيعود مريضًا إلى بيته ويعاد شهرًا ﵁. وكان ﵁ في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء. ولما طعن ﵁ وهو الخليفة الثاني كان ولده عبد الله يرفع خده من الأرض ويضعه على حجره فيقول: ضع خدي على التراب عساه يرحمني، ويل أمي إن لم يغفر لي! ودخل عليه ابن عباس ﵁ وقال: بشرى يا أمير المؤمنين! صحبت رسول الله ﵌ فأحسنت صحبته، وصحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم حكمت فعدلت، ثم شهادة في مدينة رسول الله ﵌. فيقول: أعد ما قلته، فيعيد ما قال، فيقول عمر ﵁: المغرور من غررتموه، المغرور من غررتموه، وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر. فكيف بنا -عباد الله! - إذا كان عمر ﵁ يقول: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر؟ وهذا عثمان ﵁ يقف عند القبر ويبكي ويشتد بكاؤه ويقول: لو أنني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما أصير لأحببت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير. وهذا علي ﵁ يروي ما رآه من الصحابة ﵃ فيقول: رأيت أصحاب رسول الله ﵌ فلم أر اليوم شيئًا يشبههم، كانوا يصبحون شعثًا صفرًا غبرًا، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا سجدًا وقيامًا، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا مادوا كما تميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم بالدموع حتى تبل ثيابهم، فوالله لكأني بالقوم باتوا غافلين، فما رئي ﵁ ضاحكًا حتى ضربه ابن ملجم. وهذا الحسن البصري يقول: رأيت أقوامًا وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل، ولا يأسفون على شيء منها أدبر، ولهي كانت في أعينهم أهون من التراب، ولقد كان الواحد منهم يعيش خمسين سنة أو ستين سنة لم يطو له ثوب، ولم يوضع بينه وبين الأرض شيء، ولا أمر من في بيته بصنعة طعام قط، فإذا كان الليل فقيام على أقدامهم، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، ينادون ربهم في فكاك رقابهم، فإذا فعلوا حسنة تعبوا في شكرها، ورجوا الله أن يقبلها منهم، وإذا فعلوا سيئة أحزنتهم، ورجوا الله أن يغفرها لهم، فوالله ما سلموا من الذنوب، ولولا مغفرة الله ما نجوا، فرحمة الله عليهم ورضوانه. وصلى ابن أبي أوفى قاضي البصرة بالناس الفجر بسورة المدثر، فلما بلغ قوله ﷿: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر:٨ - ١٠]، أخذته شهقة فمات. فهم سمعوا القرآن بقلوب واعية، وآذان مصغية، فأحدث فيهم الخوف من الله ﷿، فمنهم من مات من سماع آية، ومنهم من كان يعوده الناس كأنه مريض، ومنهم من كان يشتد بكاؤه. ونحن غلبت علينا الغفلة، فجمعنا بين معصية الله ﷿ وبين الأمن من مكره ﷿، وهذا والله علامة الشقاء، أن يجمع العبد بين معصية الله ﷿ وبين الأمن من مكره، فقد كان السلف ﵃ يجمعون بين الخوف من الله ﷿ وبين الاجتهاد في طاعته، فإذا عرف العبد ربه ﷿ وعرف أسماءه وصفاته وتعرف على ربوبيته ﷿ وإلهيته، وعلم خطر الآخرة وأهوالها وعلم سيئات أعماله وضعفه وعجزه وذنوبه وعيوبه فإنه يخاف من الله ﷿، كما قال النبي ﵌: (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وهذا لما بلغه: أن ثلاثة من الصحابة الكرام ذهبوا إلى بيوته ﵌ وسألوا عن عبادته،

9 / 4