Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

احمد فرید d. 1450 AH
73

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

اصناف

التجارة في الدنيا إذا لم تكن مع الله فهي مع سواه وكل أحد -عباد الله- في الدنيا يتاجر، والتجارة إما أن تكون مع الله ﷿، وربح هذه التجارة سعادة الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدنيا، والسعادة الأبدية السرمدية في جنة الله ﷿، وإما أن تكون تجارة مع الشيطان الرجيم، وربحها الضنك والهم والغم والحزن والشقاء في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة والذي يتاجر به الناس النفوس والأموال والأوقات والأولاد، فما يملكه العبد في الدنيا إنما يتاجر به في الدنيا. قال النبي ﵌: (الدنيا سوق)، وقال: (كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها). فقوله: (كل الناس يغدو فبائع نفسه) أي: لله ﷿، (فمعتقها) أي: من النار، (أو موبقها) أي: يبيعها للشيطان، فيخسر نفسه في الدنيا والآخرة. أخي إنما الدنيا كسوق تزينت أقيم لنا وانفض أمر الفوانيا وكل امرئ لا بد يدخل سوقها سواء بهذا كارهًا أم راضيا ولا بد من بيع ولا بد من شرا ولا بد يمشي رائحًا أو غاديا وسلعته الكبرى التي سيبيعها هي النفس لكن من يكون الشاريا؟ فإن باعاها لله أعتقها إذن وكان له من جمرة النار واقيا وجنة ربي كانت الثمن الذي سيقبضه الإنسان فرحان راضيا وقد ربح البيع الذي تم أخذه ودل الإله المشتري دلّ ربّيا فالمؤمنون -عباد الله- يتاجرون بأوقاتهم وأنفاسهم وأموالهم مع الله ﷿، فيربحون سعادة الدنيا والآخرة، والمعرضون والكافرون والفاسقون يتاجرون مع الشيطان، فلا يحصلون إلا على الصفقة الخاسرة، وهي الشقاء والنكد والهم والغم والحزن في الدنيا، ثم الشقاء الأبدي السرمدي في عذاب الله ﷿ يوم القيامة. قال بعض السلف: رأيت العبد ملقى بين الله ﷿ وبين الشيطان، فإن تولاه الله ﷿ لم يقدر عليه الشيطان، وإذا خذله الله ﷿ أخذه الشيطان. فمن تولى ربه بالطاعة والعبادة والإخلاص والإنابة تولاه الله ﷿ بالحفظ والكلاءة والنصر وقبول الدعوة، ومن خذل دين الله ﷿ فإن الله ﷿ يخذله، فيتولاه عند ذلك الشيطان، ويصير فريسة له. فينبغي للعبد أن يسأل نفسه: هل هو مع الله ﷿ أو مع الشيطان؟ فليس هناك طرف ثالث يساوم على نفس العبد وماله، فإما أن تكون مع الله ﷿ أو مع الشيطان. والتجارة مع الله ﷿ نوع خاص من التجارات وليست كسائر التجارات، فالمعاملة مع الله ﷿ معاملة بين العبد الضعيف المخلوق الفقير وبين الرب الغني القادر القاهر. أما معاملات الخلق فهي معاملة بين فقير وفقير، وبين محتاج ومحتاج، وبين ضعيف وضعيف. والله ﷿ يريد من العباد أن يعاملوه حتى يربحوا على الله ﷿ أعظم الربح، وهو ﷿ غني عنهم وعن عباداتهم، كما قال الله ﷿: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج:٣٧]. فالناس يذبحون وينحرون الهدي والأضاحي، وهم الذين يأكلون اللحوم، والله ﷿ لا يدخر شيئًا من اللحوم ولا من الدماء، ولكنه يريد من العباد أن يستجيبوا لله ﷿، حتى يسعدوا في الدنيا والآخرة، وحتى يربحوا على الله ﷿ أعظم الربح. فلو أن العباد كلهم على أتقى قلب رجل واحد منهم -وهو قلب نبينا محمد ﵌ ما زاد ذلك في ملك الله ﷿ شيئًا، ولو أنهم كلهم على أفجر قلب رجل واحد منهم ما نقص ذلك من ملك الله ﷿ شيئًا، كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني). فالله ﷿ لا يستفيد شيئًا من طاعة العباد، بل هم أنفسهم يستفيدون من الطاعة في الدنيا والآخرة، ولا يتضرر الله ﷿ بشيء من معاصي العباد، بل هم أنفسهم يتضررون من معاصيهم في الدنيا والآخرة، فالله ﷿ يريدك لك، من أجل أن تستفيد وتنتفع أنت. وأما تجارات الخلق فكل من أن يعاملك إنما يريد أن يستفيد منك، وأن ينتفع منك منفعة، فهو إنما يريدك لنفسه، والله ﷿ يريدك لك. فالتجارة مع الله ﷿ نوع خاص من التجارات.

8 / 4