علاقة القلق بضعف الإيمان
والحق -عباد الله- أن الإيمان والسعادة لا يضيرهما شيءٌ البتة إذا كان بعض حملتها ومنسوبيها أول الناس خروجًا عليها، ونأيًا عنها، وإلا فأين الذين لم يعد منهم في حياته فاقد السعادة، ملتاثًا بلوعة القلق والاكتئاب، أين صاحب المنصب والشرف، الذي لم يعد قلقًا في أوج تكأته وسلطانه، يتوجس فقده كل لحظة عُريًا من خلاله عن معاني الإحساس بطعمه، أو استتمام رائحته المركبة؟!
وأين الأبوان اللذان لم يعد أحدهما يخشى على أولاده القوارع بالمدلهمات في كسوة هذا، وإعفاف تلك، وتوظيف هذه، وتزويج ذاك؟
بل أين وأين وأين؟
إنه عصرٌ موحشٌ على كثرة مؤنسيه، مقلقٌ على كثرة مهرجيه ومروجيه.
إنه مليء بكل مسببات القلق لفاقدي الهدف، ومعصوبي البصائر، الذين يتخبطون كالعشراء، وجل من لم يصب بمثل هذا السيل الطام فلا أقل من أن يناله رشاشه المتناثر هنا أو هناك.
بالطبع -أيها المسلم- أنا وأنت، وهو وهي، وغيرنا جميعًا، نحن أعضاء في هذا المجتمع الفسيح، كل فردٍ منا عرضة للقلق أو الغضب، مثلما هو عرضة للسعادة أو الهناء، الكل يريد السعادة، ولكن لا أحد يريد أن يرى نفسه قلقًا أو كئيبا، وإن كان ثَمَّ وقوعٌ في حمأة القلق لفردٍ ما، فقد لا يُحسن التصرف أمام هذه البلية العظمى؛ إما عن جهل منه بطرق الخلاص والنجاة من هذا المأزق الحرج، وإما عن سلوك طُرقٍ وهمية مصحوبةٍ بغفلة، ووثبة يحسنان له القبيح، فيظن جاهلًا أنه مكمن الدواء، وكان كالمتسعسل إذا ثمل، وإما أن يكون المتصرف مع هذا الداء يعلم خطورته وسحق هوته، ولكنه يصر على البقاء فيه، أو يتعمد بتقطيع ألمه بكيوفات مهدئة أيًا كانت ذوائبها مما لا يقرها الشارع الحكيم، ويا لله! ويا لله!
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
أيها المسلمون! إنَّ من الإنصاف التام ألا يهون من شأن هذه القضية، وألا نجعل الإحساس بالقلق جهلًا منا أو مكابرة حكرًا على ذوي الضعف وملتحفي المسغبة والإملاق، ولا غرو فيما أقول عباد الله، فكم رأينا كبراء قلقين، وأغنياء مضطربين؟! إذ من الناس من يقلق من فراغ بطنه إبَّان إملاقه، والبعض الآخر ربما قلق بسبب التخمة التي تحويها بطنه إبَّان إغداقه، ألا وإن قلقًا ما في نفس فقير مدقع ليس بأقل في الخطورة من قلقٍ ما في نفسٍ ثري طائش.
11 / 3