طبقات کبریٰ للشعرانی
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
ناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
اشاعت کا سال
1315 هـ
العارف يستعين بكل شيء فإذا وصل استغنى بالله وارتفعت همته عن الوقوف عما سواه وافتقر الناس إليه وكان رضي الله عنه يقول: مثل النفس في الصفات كمثل ماء طاهر واقف صاف فإذا حركته ظهر ما تحته من الحمأ وكذلك النفس تظهر مرتبتها عند المحن، والفاقة والمخالفة لاهوائها، ومن لم يعرف ما طوي من الصفات في نفسه كيف يدعي معرفة ربه، وكان يقول: العارفون خزائن الله أوح الله تعالى فيها علوما غريبة وأخبارا عجيبة يتكلمون فيها بلسان الأبدية، ويخبرون عنها بعبارات أزلية، وكان يقول: لولا أن الله تعالى أدخل موسى عليه السلام في كنفه لأصابه عليه السلام ما أصاب الجبل وكان يقول في قوله تعالى: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " المستنبط هو الذي يلاحظ الغيب أبدا فلا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه شيء وقال في قوله: " لآيات للمتوسمين " المتوسم هو الذي يعرف الوسم وهو العارف بما في سويداء القلوب والاستدلال والعلامات فيميز أولياء الله تعالى من أعداء الله وكان رضي الله عنه يقول: إذا أراد الله عز وجل أن يوالي عبدا من عبيده فتح له باب ذكره فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب القرب، ثم رفعه إلى مجلس الأنس، ثم أجلسه على كرسي التوحيد ثم رفع عنه الحجب فأدخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو فحينئذ، صار العبد فانيا فوقع في حفظ الله وبرئ من دعاوى نفسه، وكان يقول: أول مقام لمن وجد علم التوحيد وتحقق به فناء ذكر الأشياء عن قلبه وانفراده بالله وحده وسئل رضي الله عنه هل يصل العارف إلى حال يجفو عليه البكاء قال: نعم إنما البكاء في وقت سيرهم إلى الله عز وجل فإذا نزلوا إلى حقائق القرب وذاقوا طعم الوصول من بره تعالى زال عنهم البكاء ولذلك ورد " فإن لم تبكوا فتباكوا " أي تنزلوا في المقام ليقتدي بكم السائرون وكان لأبي سعيد ولد صالح فمات فرآه بعد وفاته فقال يا بني أوصني فقال لا تجعل بينك وبين الله تعالى قميصا، فما لبس أبو سعيد قميصا منذ ثلاثين سنة وكان رضي الله عنه يقول: ينبغي للصوفي أن يكون لطيف اللبسة ملازما للخلوة، حسن الصيانة فلا يطلب إلا عند وجود الفاقات، وإلا فهو والكذابون سواء، وكان يقول أبعد الناس من الله عز وجل من يدعي المعرفة والقرب وأكثرهم إليه إشارة أمقتهم عنده، وكان يقول: وكان يقول: لقيت مرة شخصا متظاهرا بالجنون فناديته قف يا مجنون فالتفت لي وقال لي أتدري من المجنون فقلت له لا فقال المجنون من يخطو خطوة ولم يذكر ربه فيها، وكان يقول: لا يتصف عبد بالشرف حتى تصير الأذكار غذاءه والتراب فراشه، وكان يقول: لا تغتر بصفاء العبودية فإن فيها نسيان الربوبية فقيل له فما الخلاص قال أن يشهد صنع الربوبية في إقامة العبودية، فينقطع عن نفسه ويسكن إلى ربه، وهناك يسلم من الاستدراج وسئل رضي الله عنه عن سبب معاداة الفقراء وبغضهم لبعضهم بعضا مع أنه لا رياسة عندهم فقال: إنما قدر الله عليهم ذلك غيره منه عليهم أن يسكن بعضهم إلى بعض ولكن إذا وقع لهم كمال السير ذهبت البغضاء لأن الكامل لا يرى هناك من يرسل غضبه عليه من الخلق، وكان رضي الله عنه يقول: أول علامة التوحيد خروج العبد عن كل شيء ورد الأشياء جميعا إلى بتوليها، حتى يكون المتولي بالمتولي ناظرا إلى الأشياء قائما بها متمكنا فيها، ثم يخفيهم عن أنفسهم في أنفسهم ويظهرهم لنفسه سبحانه وتعالى رضي الله عنه.
ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المغربي
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان أستاذ إبراهيم الخواص وإبراهيم بن شيبان صحب علي بن رزين رضي الله عنهم وعاش مائة وعشرين سنة ودفن على جبل طور سيناء مع أستاذه علي بن رزين وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائتين وكان يأكل من أصول الحشيش دون ما وصلت إليه يد بني آدم رحمه الله تعالى، ومن كلامه رضي الله عنه الفقير المجرد من الدنيا وإن لم يعمل شيئا من أعمال الفضائل أفضل من هؤلاء المتعبدين ومعهم الدنيا بل ذرة من عمل الفقير المجرد أفضل من الجبال من أعمال أهل الدنيا، وكان رضي الله عنه يقول: إن لله تعالى عبادا أسبغ عليهم باطن العلوم وظاهرها، وأخمل ذكرهم فلا يعدون قط مع العلماء " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " " الأنعام: 82 " وكان يقول: ما فطنت إلا هذه الطائفة لكنها احترقت بما فطنت، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان يقول: اجتمعت بشخص من أصحاب أبينا
صفحہ 79