125
المواقف الدعوية للصديق ﵁ وانظروا إلى الصحابة كيف كانوا يتعاملون مع قضية الدعوة، فانظروا مثلًا إلى أبي بكر الصديق ﵁ وأرضاه، ونحن قد تكلمنا بالتفصيل عن أبي بكر الصديق في مجموعة الصديق، وتكلمنا عنه في مجموعة السيرة، فلن نفصل الآن في دعوة الصديق، فـ الصديق قد قضى حياته كلها على قضية الدعوة، فهو من أول يوم آمن بالله ﷿ تحرك بهذه الدعوة، ومن أول ما شعر بحلاوة هذا الدين أراد أن ينقل هذه الحلاوة إلى كل من يعرف، حمية عظيمة جدًا لنشر هذا الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن عمره في الإسلام كثيرًا، بل كان عمره ساعات وبدأ يتحرك، ففي أول يوم يأتى بـ عثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف، وهؤلاء الخمسة أصبحوا من أعظم علماء المسلمين، ومجاهدي المسلمين، وصحابة رسول الله ﷺ، والذين حملوا الدين على أكتافهم، وعلموا أهل الأرض الدين، ولم يتوقف في اليوم الثاني، بل أتى بـ أبي عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون والأرقم بن أبي الأرقم وأبو سلمة بن عبد الأسد، وكل هؤلاء جميعًا في ميزان الصديق، فعندما يقوم أحدهم بعمل الخير فإن أبا بكر يحصل على مثل أجر هذا الخير. وانظروا إلى عثمان بن عفان ﵁ وأرضاه عندما تبرع بتجهيز جيش العسرة، وعندما بنى مسجد رسول الله ﷺ، وعندما اشترى بئر رومة، فإن أبا بكر يأخذ مثله من الحسنات، وهذا شيء لا يمكن أن تتخيله. وأيضًا الزبير بن العوام عندما حارب وجاهد ودافع عن دين الله ﷿ في شمال مصر وفي الشام وفي العراق وهنا وهناك، وعندما يربي ابنه عبد الله بن الزبير على الخير، وعندما يقوم بأي عمل من أعمال الخير، فإن الصديق يأخذ مثلها من الحسنات. وتأمل معي أجر هؤلاء الرجال الذين أسلموا على يد أبي بكر، وتخيل أنه أعتق عبيدًا بكميات كبيرة، وصرف كل ماله على إعتاق العبيد، وكانت أمنيته أن يجمع المسلمين، وبعض الناس اليوم عنده هواية جمع الطوابع، وجمع التحف وغيرها، بينما الصديق ﵁ وأرضاه كان فاهمًا للدنيا جيدًا، وكان فاهمًا لرسالته في الأرض تمامًا: (ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد). وانظر إلى بلال وهو يعبد إلهًا غير الله ﷿، فيذهب الصديق ويدعوه إلى الله ﷿، فيؤمن بلال، ويعذب، وبعد ذلك يدفع قيمته الصديق ﵁، لكي يستنقذ بلالًا من العذاب، وهو مع ذلك لا يرجو منه جزاءً ولا شكورًا، وإنما يرجو وجه الله ﷿. وعامر بن فهيرة يعتقه أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه، ويدخله في دين الله ﷿، والزنيرة وابنتها ﵅، وكثير من الصحابيات، وكثير من المعذبين والمعذبات في أرض مكة، وكثير من العبيد أدخلهم الصديق ﵁ وأرضاه في دين الإسلام ثم أعتقهم. فأي خير وأي عظمة لهذا الرجل؟! وكل ذلك ببركة الدعوة إلى الله ﷿، وأدخل جميع عائلته إلى الإسلام، فأدخل زوجته أم رومان ﵂، وأدخل أولاده أسماء وعبد الله، وأما السيدة عائشة فولدت في الإسلام، وبعد ذلك أدخل أمه وابنه الأكبر عبد الرحمن، مع أنه تأخر ولكنه دخل في الإسلام، وكذلك أبوه تأخر في الدخول في الإسلام، لكنه أسلم بعد ذلك. فخير عظيم جدًا لهذا الرجل، لذلك لو وزن إيمان الصديق بإيمان الأمة لرجح إيمان الصديق، لأن كل الأمة عندما تعمل تضيف حسنات إلى الصديق ﵁، فأي واحد منا الآن يعمل فهو يعمل من خلال دعوة الصديق في البداية، فهو يعطي حسنات للصديق، يعني: أنت الآن لو قمت وصليت ركعتين لله، فـ الصديق يأخذ ثوابًا مثل ثوابك، وكذلك لو دفعت مبلغًا في سبيل الله، أو جاهدت في فلسطين، أو في الشيشان، أو أي عالم كتب كتابًا أو سجل شريطًا أو علم معلومة، فهل أنت متخيل حجم الثواب؟! فهذه هي الدعوة إلى الله ﷿، وهذا هو الصديق، وهؤلاء هم صحابة رسول الله ﷺ.

11 / 9