124
موقف ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس تأمل لكلام ربعي بن عامر ﵁ وأرضاه -من صحابة رسول لله ﷺ الذين فتحوا فارس- وهو يكلم رستم -بفتح الراء وإسكان السين، وليس بضم الراء كما هو مشهور، فهو لفظ أعجمي عند الفارسيين وأتى بعد ذلك إلى العرب- كلامًا يدل على الفهم الدقيق لمهمة المسلم في هذه الحياة، فيقول: (لقد ابتعثنا الله)، وكلمة: (ابتعثنا) تدل على أنه ابتعثنا مثل الرسل، فالله ﷾ كلفنا بمهمة كان الرسل مكلفين بها، وبما أنه لم يعد هناك أنبياء ورسل، فنحن الذين نتحمل هذه المهمة إلى يوم القيامة. ثم قال: (لنخرج العباد) أي: أن كل العباد في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف الأزمنة والأمكنة مسئولية في رقبة كل المسلمين. ثم قال: (من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد)، فأهل فارس لم يكونوا يعبدون كسرى، وأهل الروم لم يكونوا يعبدون قيصر، لكن كان هؤلاء الزعماء كسرى وقيصر ومن كان على شاكلتهم يشرع لقومه، ويضع قوانين مخالفة لما أمر الله ﷿ به، فهذا التشريع هو عبادة لهم، فلما أتى الإسلام أمر الله ﷿ المسلمين أن ينتقلوا إلى هؤلاء ليعلموهم أن الله قال كذا وكذا وكذا، وأن الحكم لله ﷿، وأن الأمر بيد الله ﷿، وأن الناس أجمعين لا بد أن يسيروا على ما أمر به الله ﷿، ويبتعدوا عن ما نهى الله ﷿ عنه، هذه هي العبادة الحقيقية، والمسلمون لهم مهمة في منتهى الوضوح، وهي: إخراج العباد من عبادة العباد، -سواء كانت عبادة حسية أو كانت طاعة مخالفة لما أمر الله ﷿ به- إلى عبادة رب العباد. وقوله: (ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)، هذه هي مهمة المسلمين التي كان يفهمها الصحابي الجليل الذي خاطب رستم في موقعة القادسية، وكان يفهمها كل الصحابة، وهذا هو الفهم الذي نريد أن نزرعه بداخلنا. وهناك شيء آخر مهم جدًا في قضية الدعوة عند الصحابة، ألا وهو: أنهم لم يكن عندهم يأس أبدًا من قضية الدعوة، فتدعو الإنسان مرة وثانية وثالثة وعشرة وعشرين ومائة ولا تيأس، لأنه ليس هناك جهد ضائع كما يقولون، ولا أحد يقول: لا تضع وقتك مع فلان، فهذا لن يهتدي أبدًا ف (القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، وأجرك ستأخذه في كلا الحالتين، سواء استجاب هذا المدعو لله ﷿ أو لم يستجب، فأجرك واقع على الله ﷿ ما دام أن الكلام قد خرج من فمك، وما دام أنك أخذت بكل الأسباب التي تستطيع أن تصل بها الكلمة إلى قلب ذلك المدعو، وبعد ذلك: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:٥٦]. إذًا: كل الناس بلا استثناء سندعوهم إلى الله ﷿، وكل المسلمين البعيدين عن طريق الله ﷿ سيُدعون إلى الله ﷿، وكل اليهود والنصارى والمشركين والمجوس والهنود سيُدعون إلى الله ﷿، وهذه هي مهمة المسلمين جميعًا.

11 / 8