وسألت: عن قوله: منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابها فالمحكمات كما قال الله فهن أم الكتاب، والمحكم منه فما صحت حجته في الألباب والأم من علم كل شيء فهو البين من علمه غير الخفي، وأم أمهات العلوم كلها فأنور ما يكون من العلم عند أهلها، وكذلك الكتاب فمحكماته من غير شك أمهاته التي لا يشبته على عالمهن منهن علم ولا يدخله في الإحاطة بهن شك ولا وهم ولا يحتاج في البيان عنهن إلى إكثار ولا تطويل، بل تنزيل الله فيهن كاف من التأويل كقوله سبحانه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وقوله: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقوله: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون. فهذا وأشباهه من كتاب الله فهو المحكم الذي ليس فيه بمن الله شبهة ولا وهم.
وأما متشابه الآيات من الكتاب فلا يكون أبدا إلا متشابها وكما جعله رب الأرباب فليس يحيط غيره بعلمه ولم يكلف أحدا العلم به، وإنما كلف العلم بأنه من عند ربه كما قال سبحانه: والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب، فجعل الإيمان به والعلم بأنه من عنده فريضة عليهم في متشابه الكتاب ولو كان عند غيره بالاستخراج معلوما لما كان متشابها في نفسه ولا مكتوما ولزال عنه اسم الإخفاء والتشابه كما يوجد له من المخارج في العلم والتوجه، ولما قال الله متشابها جملة وإرسالا حتى يقال: متشابها عند من كان به جاهلا، وفي تشابه كتاب الله وإخفائه وما أراد بذلك سبحانه من امتحان كل محجوج وابتلائه أعلم العلم وأحكم الحكم عند أهل العلم والحكمة، وأدل الدلائل على الله في الأشياء كلها من القدرة والعظمة.
صفحہ 20