وحزب الأحرار الدستوريين انشق عن الوفد ليعارض «سعد» ويطالب بالجلاء مستقلا عن حزب الوفد، وسعد أصبح في ذمة التاريخ، وليس من المعقول أن يتكون حزب اليوم ليعارضه، والجلاء قد تم فلا داعي لوجود جماعة سياسية تدعو إلى الجلاء.
والهيئة السعدية انشقت عن الوفد؛ لأنها عارضت النحاس، ورأت أنه مال عن مبادئ سعد.
والنحاس اختاره ربه، وأصبح كقول شوقي:
وليس بنافعه الواصلو
ن وليس بضائره من هجر
وسعد اليوم لا يحتاج إلى حزب يؤيده.
بقي بعد ذلك الحزب الوطني، وهو الحزب الوحيد الذي رفع شعار «لا مفاوضة إلا بعد الجلاء»، وكنا ونحن في الجامعة في أربعينيات هذا القرن نتساءل: إذا تم الجلاء، ففيم المفاوضة؟ وعلى كل حال قد تم الجلاء، وأصبحنا في غير حاجة إلى المفاوضة، وإن كنا في حاجة شديدة إلى الوطنية.
فالذي أتصوره إذن أن فكرة الأحزاب المطروحة هي قيام أحزاب، لا عودة أحزاب.
واعتقادي - مع حرصي الشديد على الحكم الديمقراطي - أن الوقت الآن غير صالح لقيام أحزاب بالمعنى المفهوم، ولعل قيام المنابر الآن أصلح للفترة التي نمر بها بعد غياب الديمقراطية مدة أوشكت تقترب من ربع القرن، ونحن لا نريد أن نعود إلى نوع الديمقراطية الذي كان موجودا قبل الثورة، فهذه أيضا فكرة عجيبة تطرأ على ذهن بعض الكتاب، ويناقشونها كأنها حقيقة واقعة، بينما الجميع يعرف أنها كانت ديمقراطية ناقصة يعوق انطلاقها الإنجليز والسراي، ويعوق انطلاقها فساد بعض الزعامات، وبعض الكتاب المغرضين يتخذون من هذا الفساد مبررا لفساد آخر في الفترة الماضية، وهذا شيء مضحك، فإن الثورة قامت لنقضي على هذا الخلل في حياتنا السياسية والاجتماعية، فإذا وقع المنتمون إليها في خلل أشد وفساد أكثر إيغالا، فاللوم أكبر، والأصل القانوني المعروف أن الخطأ لا يبرر الخطأ، ولهذا نريد لحياتنا الديمقراطية الجديدة أن تقوم على أسمى الأسس وأكرم الأطناب، واعتقادي أن فكرة المنابر الآن إذا قامت حول أفكار واضحة بينة، تستطيع أن تمر بنا من المرحلة التي نجتازها اليوم.
لا حياة لأدب بغير تراث
نامعلوم صفحہ