ولكن دراسة المساء قد تكون حسنة إذا كانت إيحاءات النهار حسنة . (8)
يجب أن نعين الوقت والمكان للدرس، بحيث يصير الدرس عادة، فإذا دقت الساعة تنبهت النفس، وإذا دخلنا الغرفة وجدنا أن جوها ينادينا بالقراءة والدراسة.
يجب أن نتجنب النفس الأخير، ونعني بهذا أننا عندما نشرع في مجهود ذهني نجد أن الإرادة تحملنا على بضع ساعات من العمل، وهذا هو النفس الأول، ومن الحسن أن نقنع به، ولكن ربما نجد أن العمل يحتاج إلى نفس ثان، فنستأنف العمل مجهودين ونحس الجهد في الأولى ثم تحملنا الإرادة على العمل ونقطع شوطا فيه وهذا هو النفس الثاني، وإلى هنا يجب وجوبا حتميا أن نقف كي نرتاح بالنوم أو النزهة.
ولكن يحدث أحيانا أن نضطر إلى إنهاء عمل ما فنستأنف العمل مجهودين كارهين، وهذا هو النفس الثالث، وهو يحملنا على قطع شوط أكبر مما قطعنا في النفس الثاني، بل وربما أكبر من النفس الأول.
ولكن يجب مع ذلك أن نتجنب هذا النفس الثالث؛ لأننا في الحقيقة نؤديه ونحن محمومون، وهو مرض، ويجب ألا يخدعنا ما نحسه من حماسة وقدرة.
وهذا النفس الثالث قد يؤدي بنا إلى انهيار نفسي يحتاج إلى أشهر من العلاج.
كيف نقرأ الكتاب
إذا كانت الجريدة كبيرة الخطورة في مجتمعنا لقوة الإيحاء الذي تحدثه بالتكرار، وإذا كانت خطورتها هذه تعظم مدة الحرب لأن العالم يسرع عندئذ في تغيره وتطوره، فإن الكتاب لا يزال وسيبقى قوي الأثر في التثقيف الذاتي، ولن تعادله، بل لن تقاربه الجريدة في ذلك.
والشاب الذي ينشد الثقافة يجب أن يجعل معظم فراغه وقفا على دراسة الكتب، ولا نقول قراءتها؛ لأن الدراسة هنا يجب أن تكون عادة المثقف، أي يجب عليه أن يقرأ بالقلم، يعلق هنا، ويشرح هناك على الهوامش، ولا يبالي أن يبلى الكتاب، وهو حين يفعل ذلك إنما يشارك المؤلف في التأليف، ويعود هذا الكتاب «العام» ملكا خاصا له قد طبعه بشخصيته بما ترك في هوامشه من شروح وتعليقات، وخير من هذا أن نكتب ملخصات في كراسة عن كل كتاب، حتى نعين درجات انتفاعنا بها، وكما أننا نعنى بطعامنا، نختار أفضل ما يباع منه كي ننتفع به في صحتنا، وكما نختار أجود الأقمشة لملابسنا، كذلك يجب أن نختار أفضل الكتب لتثقيفنا، وذلك بأن نعمد إلى خير المؤلفين الذين نعرف أننا ننتفع بهم فنقتني مؤلفاتهم، ويجب أن نؤثر المطولات على المختصرات.
ثم يجب أن نتوخى التخطيط دون التسكع، فلا نقرأ جزافا بل ندرس ونهدف عن تبصر إلى الغاية التي نريد تحقيقها في الدرس، وليس من الشاق على الشاب أن يخلو إلى نفسه ويتعرف إلى حاجاته الثقافية ثلاث أو أربع جلسات، يخرج منها ببرنامج لسنة أو سنتين يعين فيها المواد التي يجب أن تدرس في هذه المدة، والشاب هو خير من يختار لنفسه المواد التي يريد أن يدرس؛ لأنه في هذا الاختيار يصدر عن حاجة نفسية، ولكنه قد يحتاج هنا إلى من يرشده إلى أسماء بعض الكتب التي ينتفع بها.
نامعلوم صفحہ