قلت: فهذه حكاية الأقوال عن العدلية القائلين بوجوب معرفة الله تعالى عقلا، وظاهرها الخلاف بين الأئمة عليهم السلام، هل وجبت لأجل الشكر فقط أم لأجل اللطف فقط؟ ولا يسلم أن بينهم خلافا متحققا، وإن كان في كلام القرشي ما يدل على أنها وجبت عندهم لأجل اللطف فقط، حيث لم يجعلها شكرا إلا عن أبي علي، وفي كلام ابن حابس التصريح بعكس كلام القرشي عن القدماء منهم، وهو ظاهر حكاية شارح الأساس عنهم، ولا يسلم أن بين المسألتين تنافي فإنه لا مانع من القول بوجوب المعرفة لما فيها من الشكر واللطف معا، ولا تصريح في كلام الأئمة عليهم السلام بالتنافي ومنع أحدهما والاقتصار على الآخر، لأن القدماء منهم على ما حكاه شارح الأساس وغيره مصرحون بأنها شكر ولم يعترضوا لنفي كونها لطفا، والمتأخرين على حسب ما حكي يقولون بأنها لطف ولم يتعرضوا لنفي كونها شكرا، والأدلة حسبما ذكرها شيخنا صفي الإسلام رحمه الله في سمط الجمان عقليها ونقليها قد دلت على صحة القولين معا، وتعليل الحكم بعلتين أقوى في ثبوته من الاقتصار على إثباته بعلة واحدة، لأن العلة الواحدة ربما يتطرق إليها النقض فيبطل الحكم المقتصر في تعليله عليها، وهذا واضح لمن تأمله، فإذا كان الحق وجب حمل كلام الأئمة عليهم السلام عليه لأنهم أهل الحق وخلفاء الصدق وقرناء الكتاب وأمان الأمة من نزول العذاب، وقد تركت ذكر الأدلة على كل من القولين خشية التطويل، واستكفاء بما ذكره شيخنا رحمه الله تعالى، لكني أزيد المقام إيضاحا بذكر تفصيل لم أقف عليه لأحد منهم صراحة، وإنما لاح من أقوالهم الجميع من مجموعه لا من جميعه، وهو في هذا المبحث وغيره.
صفحہ 47