إِلَيْك الْخَالِق سُبْحَانَهُ، فَمَتَى رَددته رددت فِي الْحَقِيقَة على الْمُعْطِي، لِأَن الْمُعْطِي هُوَ الَّذِي أهاج نَحْوك الْقُلُوب. وحنن عَلَيْك النُّفُوس. فَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي تولى سوقه إِلَيْك كَانَ ردك لَهُ ردا عَلَيْهِ.
وَقَوله: أَمر لي بعمالة. العمالة: أجر الْعَامِل.
وَقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على ثَلَاث فَوَائِد:
أَحدهَا: أَنه من نوى وَجه الله بِعَمَل وَلم يرد ثَوابًا عَاجلا فأثيب، جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ، وَلم يُؤثر أَخذه فِي قَصده الصافي. وَمثل هَذَا أَن مُوسَى ﵇ سقى لبنتي شُعَيْب [﵇] لله تَعَالَى، فَلَمَّا قَالَت لَهُ إِحْدَاهمَا: ﴿إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك﴾ لم يمْتَنع، لِأَنَّهُ مَا عمل ليجازى فَجعل ذكر الْجَزَاء لَغوا.
وَالثَّانيَِة: تَعْلِيم الجري على اخْتِيَار الْحق ﷿، فَإِذا بعث شَيْئا قبل، وَإِذا منع رَضِي بِالْمَنْعِ.
وَالثَّالِثَة: أَن مثل هَذَا المستغنى عَنهُ الْآخِذ جعله مَالا، لقَوْله: " فتموله " وَهَذَا يدل على فضل الْغَنِيّ على الْفَقِير، أَو يتَصَدَّق بِهِ فَيكون الثَّوَاب لَهُ، وَلَو لم يَأْخُذهُ فَاتَهُ ذَلِك الْأجر.
وَرُبمَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث جهال المتزهدين فِي قعودهم على الْفتُوح. وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك؛ لِأَن قعُود أحدهم فِي رِبَاط مَعْرُوف تهيؤ للقبول، وَمد كف الطّلب، فَهُوَ كمن يفتح حانوتا يقْصد، ثمَّ كَونه يَنْوِي الْقبُول لما يزِيد على استشراف النَّفس؛ لِأَن الاستشراف تطلع مَا، وَهَذَا عازم على الْقبُول قطعا.
1 / 50